إيقاع أنشطتها المتنوعة والمواكبة لكل جديد يضع شارع محمد الخامس في مرمى الإهتمام الجميع، متنفس بأكثر من فضاء ومشروع جعل من التنمية الثقافية رهانا كبيرا في بناء عام هاجسه التوازن عبر الفنون والإبداع. فمنذ إطلاق المشروع تحددت ملامح هبة، إسم يحمل معناه، عطاء تبرع بسخاء، والهبة لا تكون من أي كان، هي هنا عطاء يتجاوز الماديات إلى العناية والحضانة والمواكبة والإدماج والريادة والتطوير .. بفضل كل هذه الأبعاد، تفردت مؤسسة هبة كجمعية لها صفة المنفعة العامة والتي لا تؤمن بالدور الأحادي للفضاء، بل تعمل على تغيير هويته من نشاط لآخر، والهدف هو استيعاب الفضاءات لثراء المبادرات وغنى الفنون. «المبدأ الذي يمكن أن يلخص هذا المشروع هو أن أربعة جدران يمكن أن توظف في عدة أشياء وعدة استعمالات، ليس ضروريا أن تبقى قاعة سينما على هويتها ، نجعلها قاعة مسرح وقاعة عروض وفضاء للاحتفال.. نحن لا نؤمن بالدور الواحد والوحيد، والفضاء عليه أن يستوعب ما نحتاجه من خدمات ..» كلام لمدير المؤسسة مروان .. شاب له طاقة المؤمن بدور المسؤول في ما انتب له، وكيف يكون السن فاعلا في نوعية بعض المبادرات».
سينما ومسرح وأشياء أخرى
بمدخل العمارة التابعة لهبة توجد سينما النهضة، واحدة من الفضاءات النشيطة للمؤسسة والتي تأسست سنة 2006 . عمر سينما لغونيسونس بلغ قرنا السنة الماضية، سنواتها المائة تشهد على معاصرتها لعدة أجيال سينمائية وجماهرية. في إرشادات البعض لعنوان التبس على سائله يتم تحديد سينما لرونيسونس لشهرتها، الكل يعرف سينما النهضة وما لعبته في الحياة السينمائية بالعاصمة الرباط. حتى في ظل ما عرفته القاعات السينمائية من تراجع لأسباب مختلفة، ظلت لوحة الإعلانات لأنشطتها اليومية تقليدا يقطع سهو مرتادي شارع محمد الخامس، ويدفع لمعرفة المبرمج والمميز فيها ليس سينمائيا فقط، كون الفضاء يوظف في عدة استعمالات بما فيها العروض فنية أخرى كالمسرح .. هكذا يتلون الفضاء بلون أبي الفنون والفن السابع بمرونه تعكس فلسفة فريق هبة. « ارتبطت سينما النهضة بمجموعة من الناس كبروا معها و أحبوها و «ولفوها»، هي بقيت ببرمجتها المميزة عن برمجة القاعات السينمائية الأخرى، نحن حريصون على أن يكون جمهور السينما موصولا بالجديد العالمي عبر المنظومة البرمجاتية لسينما رونيسوس، واعتبارا لكون الناس اعتادوا القيام بإطلالة على لوحة الإعلانات بمدخل عمارة النهضة يحدث أن يتصادفوا مع أيام السينمات العالمية وغيرها على سبيل المثال، لذلك قلت بأن العلاقة بلارونيسونس هي تقليد يدخل في سلوك الكثيرين لأنهم كبروا وأحبوا الدور الذي لعبته في حياتهم حتى بات اسمها يتداول كأن اسم للشارع. « يقول مروان فشان مدير مؤسسة هبة.
دمقرطة الولوج الثقافي
عملت مؤسسة هبة من خلال حياة برمجاتية ثقافية على تغيير سلوك الاستهلاك لدى الفئة الشابة من خلال تعزيز دور الفن والثقافة في إشباع من نوع آخر. تقرأ هذه الخلفية وأنت بين فضاءات هبة للبحث عن الجاذبية في تجربة عمرها من عمر شاب عشريني. عشرون عاما بالنسبة لعمر إنسان لا يمكن الحديث فيها عن تراكم، لكن عشرون عاما لمؤسسة وجدت من أجل هيكلة قطاع ثقافي يحتاج إلى جرأة في المبادرات والمشاريع يمكننا الحديث عنه اليوم من خلال الإنجازات الكثيرة، « هدفنا هو دمقرطة الولوج إلى الثقافة» يقول محدثي مروان فشان المدير العام لهبة ونحن نصل إلى الطابق فوق أرضي حيث يوجد المقهى الثقافي، مكان لا يشبه في أبعاده وغاياته ما يحيكه منطق التاجر لمقهى تجاري، المسافة بين إشباع المقاهي التجارية والمقهى الثقافي بهبة طويلة ولا تلتقي إلا في وجود مشروب أمام زبون مختلف، النموذج الأخير هو عبارة عن منصة تتناوب عليها برامج ثقافية غنية هدفها الإشباع الفكري والأدبي، وحتى من دون وجود برنامج محدد هناك زبون لكنه مثقف ويرتاد المكان للقاء بني جلدته.
التربية على الاستهلاك الثقافي أخذت مؤسسة هبة إلى أبعاد ما تنتظره من شباب الغد، واعتبرت الفضاء جزء من مشروعها الكبير الذي انطلق في منتصف الألفية الثانية من القرن العشرين، إذ يتم الحديث عن الاستهلاك بدل النشاط الثقافي لتعزيز قيمته الغذائية فكريا ولأنه جزء من الحاجة للأكل استعانت المؤسسة بصندوق خضر في ركن تفضل تسميته ب:»قنت» ، يمين مقهاها الثقافي، محتواه كتب وفوقه لافتة برسالة قصيرة: خذ كتابا وضع كتابا. في العبارة تحريض على ما يفضل محرثنا تسميته ب الاستهلاك الثقافي، وفيها ما يؤكد تعزيز دور القراءة في قطاع يحتاج دائما إلى مبادرات جادة وفعلية وفاعلة.
هبة لاب .. مختبر الفنون المعاصرة
لا فضاء متروك دون هندسة الأهداف التي تشغل «هبة»، الفنون المعاصرة بحر يحتاج إلى غواص و مختبر تجريبي في أفق بلوغ ما تخططه المؤسسة مهنيا لا فقط ترفيهيا، هكذا نصل إلى الطابق الثاني الذي تطل واجهته الزجاجية على شارع محمد الخامس بشفافية تامة، يقول مرافقي في جولة بفضاءات المؤسسة :»المحافظة على التراث المادي واللامادي للمغرب والمساهمة في تطويره، وهيكلة قطاع الصناعة الثقافية والإبداعية يجعلنا في ورش حي لصناعة المبادرات التي تتجاوز البعد الترفيهي للفنون إلى المطلب المهني، إننا نوجه المستفيدين نحو العيش من فنهم» . تدخل يوضح ما تخطه برامج هبة وتخطط له لجعل الهوايات مجال اشتغال لا ممارسة ذاتية ترضي ممارسها. لذلك ينشط فضاء هيبة لاب كمختبر للتدريب على مهن فنية جديدة لا تبقي الفنون بمعزل عن سوق الشغل والإدماج المهني.
الفئة المستهدفة في مؤسسة هبة هي الشباب بغرض تأهيل وتقوية مؤهلات الغد ثقافيا وفنيا٫ لكن الأجندة الثقافية مفتوحة أمام الجميع وتستوعب عطش من يجد في الثقافة غداء. لذلك تلتقي الأجيال في الأنشطة بحكم العلاقة مع الفضاء لدى العرفين بسينما النهضة ومقهى لاسين وهيبة لاب٬ لقاء لا يمكن قرائته بمعزل عن كون الأجيال تلتقي في حب جميع الفنون ولو بالاستمتاع لا الممارسة.
تجربة 20 عاما من الانتداب للفعل والتأثير ثقافيا عبر مختلف الفنون لا يمكن إلا أن يجعل إصرار هبة على تصدير الثقافة عبر الأجيال مهمة أساسها السلاسة في صناعة برامج هادفة. “ لدينا هيكل ثقافي يمكن ان نصدره كما نصدر مختلف المنتجات التي تحمل توقيع ميد إن موروكو ٫ مداخيل التصدير يمكن أن تنفع القوة الصامتة في المغرب” يقول مروان فشان مدير مؤسسة هبة.