زواج «إيكسبريس»

لم أتوقع أن يطالب بحقه الشرعي من جسد ضعيف لم يستوعب بعد الطاحونة التي رمي فيها دون قوانين...

كأني لم أسمعهم يوما يرددون «زواج ليلة تدبيروعام». كانوا يكررون المثل كأنه لحظة خشوع في دعاء الفجر، ويصرون على أنه من وصايا من سبقوهم في تجارب الحياة وأهوالها. الوصايا تصير مقدسة في ثقافة الأوائل، ومن وصاياهم في الزوج أنه يحتاج للتدبير، وقد قدروا تدبيره زمنيا في سنة. كنت كلما سمعت أحدهم يردد ذلك اعتقدت بأن حياتنا يحكمها الضبط والترتيب وعدم الانزياح، وزاد اعتقادي عن حده حتى بت مقتنعة بأن كل خروج عن المعتقدات هو لعنة من القبيلة، وضريبة الخروج عن نظامها الذي يتحكم في أدق تفاصيل حياتنا بما فيها الصلح بين ذوي القاتل والمقتول. الجماعة تسقط الثأر ولا تعترف ب «النفس بالنفس»، والجماعة تجبرك على عدم التراجع عن التزام قدمته لأحدهم ولو كان خسارة لك، والجماعة تلزمك بالزواج حين يضع ذويك أيديهم في يد طالبه ولو تقدم به في سوق أسبوعي، والجماعة تنوب للدفاع عنك كمحكمة لها كامل الصلاحية في ذلك. من صرامة سلطة الجماعة رضعنا قانون سير حياتنا المغلفة بكثير من الغموض والتحامل على الاختيارات الفردية. هنا لا مجال للحديث عن الفردي والخصوصي، القوانين تتنكر لإرادة الشخص كلما علت إرادة الجماعة وتسلطنت على الجميع. والزواج واحد من الخصوصيات التي تسلبك الجماعة القرار فيه. لكن في زواجي ذاب المثل» زواج ليلة تدبيرو عام» بقرار سريع قلب كل وصايا التدبير المتأني، سرعة جعلتني أشبه بوجبة سريعة جهزت في طنجرة ضغط لا مخرجا لأنفاس المضغوطة تحت نار مسعورة. لم يسبق أن عرفت لهذه السرعة من شبه غير سرعة دفن ابنة جيراننا، كانوا يسرعون بها إلى مقبرة سيدي عيسى مخافة أن تنتفخ جثتها من شدة الحر، وقد انطبع الحادث في ذهني بشكل مؤلم حتى ضننت أنهم كانوا يتخلصون منها. زواجي شبيه بدفن ميت. والمراسيم وحدها هي ما يفرق بين جنازة ابنة جيراننا وزفافي. كم صعب أن تشعر بالموت وأنت تزف في ليلة سموها ليلة العمر؟. لم أشعر بهذا الإحساس عندما كان العزف والرقص في صالة بيتنا المأجور يطوقني كما لو كان احتفالا بليلة عاشوراء. بدوري كنت أرقص، ولا يميزني عن حفنة المدعويين، من الجيران والأقارب،غير تاج يتمايل فوق شعري كسهم للإرشاد، ونقش حناء لم يسبق ليداي ورجلاي أن تدللوا برائحتها القريبة من رائحة الطين. يوم واحد هو عمر زواج وضعني في قلب مسرحية هزلية، الفصل النشاز فيها كان سني الذي لم يتجاوز 14 عاما، تلميذة لم تنه بعد مستواها الاعدادي لأن الأمور تمشي بإرادة العائلة وبصمت منا. الضعف يعلمك الخنوع، والخنوع عبودية، ومن أشكالها تزويجك وأنت طفلة لا يتجاوز سقف أحلامك لعب بالعرائس لا أن تصيري عروس. 

النهاية عجلت بالوصول لينتصب أمامي ما أبدعه الأوائل: سبعيام دلباكور سالات. أسرع فاكهة في الوجود وأسرع زواج غير مسجل لأني قاصر. و الباكور صار أطول عمرا من الزواج/الاغتصاب. 

كنت في قسم السابعة إعدادي عندما قادوني كشاة إلى مقصلة حياة غريبة عني. أمي وجدتي وخالي هم من دبروا تزويجي، زواج لا يتوفر إلا على شرط واحد من شروط الزواج الصحيح وهو الإشهار. حفل حناء بسيط في بيت مأجور خلصني من أسوار إعداديتي وسجلي التلمذي، وعروس هي أنا نهيلة. طفلة جميلة بنحافة عارضات الأزياء وبلادة عبدة يتحكمون في جسدها ومصيرها وهي صامتة. كان رسم ولادتي وحده من يشهد على أني غير مؤهلة لألبس جلباب أمي، وأدلك عجين بيت وأطعم أفواه من يسكنه. في تلك الليلة، وقفت وسط حضور لا تجمعه بالفرح غير موسيقى شعبية لفرقة من الهواة، أولئك الذين ينتظرون مناسبة لينشطوا بدورهم أكثر من طمعهم في مقابل غالبيته لا يتجاوز خمسمائة درهم. فقر مذقع يقفز من كل جانب، ومستوى اجتماعي وثقافي يرمي وراءه ما تعرفه القوانين من قفز على التقاليد والأعراف. 

 لا أعرف كيف اجتاحت خيالي قصة وأد البنات في الجاهلية وأنا في محشر الزفاف. كنت أفصل وأخيط الأربع ساعات من الليلة بذاكرة مفصولة عن اللحظة. أشطح بخيال مثقل بلعبة حابة وشريطة وقفز في ملعب الرياضة كتيس هارب من القطيع. لا لم يكن عرس زواج، كان حادث اصطدام عنيف سببه سير في الاتجاه المعاكس للحقوق. 

 عرفته عندما جاء من مدينة الدار البيضاء لتقديم العزاء بقريتي. كان يعرف خالي الذي أناديه أخي، وصداقتهما جمعها المشترك بينهما وهو السكر حين كانا يشتغلان معا بإحدى المدن الشمالية. بقيا على اتصال حتى عندما غادار العمل. إنها مجمل ما لدي من معلومات عن العريس /العاصفة. 

اعتقدت أن ليلة الحفلة مجرد خطوبة في انتظار أن أكمل عامي الدراسي، لكنه، وبعد انتهاء جوقة الحفل، تودد لعائلتي للذهاب معه إلى بيته حيث يسكن مع والدته بالدار البيضاء. لم يسبق لي أن زرت هذه المدينة، ولم أعرف بأي حي نحن حين وصلنا حوالي الخامسة مساء. بدوية في مدينة وبدون هاتف بعد أن ألح أن أترك موبايلي القديم كونه سيشتري لي واحدا جديدا. لم أفكر بسوء ساعتها، لكن أحسست بشيء غريب بمجرد أن طلب من والدته أن تسبقنا إلى البيت، مؤكدا أنه يخشى عين الحسد! بقينا ندور في الشوارع في انتظار أن تنام عين «الحومة». لحظة، توقف أمام عيادة طبيبة نساء من أجل اختبار عذريتي. كل شيء مفاجئ، كل شيء صادم، كل شيء غريب وغامض وأنا الغريبة في المدينة الغول. بعد الفحص الذي اطمأنه على أني لم يمسسني أحد جنسيا، بقينا في السيارة إلى حدود الثانية صباحا وهو لا يتوقف عن الشرب. التعب تمكن مني حد الإحساس بالإغماء. اتصال من والدته حررنا من التسكع كمتشردين يتسللان من عيون الجيران . دخلت بيتا من طابقين كتائهة متعبة ترغب فقط في النوم. لم أتوقع أن يطالب بحقه الشرعي من جسد ضعيف لم يستوعب بعد الطاحونة التي رمي فيها دون قوانين. رفضي كان بحجة أننا مخطوبين ولم نتزوج بعد. استعجل ضربي حتى بلغ صراخي سمع أمه التي تدخلت. عرفت، في سياق الحادث أنه كان متزوجا وسجينا، وأنه لا يكمل كما قال، أسبوعا مع امرأة.

 نجيت من فك الذئب بأعجوبة وبمساعدة جارة قادتني إلى محطة ولد زيان، ومن فك ثرثرة القرية عن «المنحوس ماهي مطلقة ماهي عروس». 

بعدأسبوع، بدأت أحكي لزميلاتي عن زواجي «الإيكسبريس»، وعودتي من كفن تزويجي. 

يستند مشروع "قطرة" الذي قامت بتطويره مجموعة من الطلاب بالمدرسة الوطنية العليا للفنون والمهن في الدار البيضاء، إلى تطبيق على الهاتف النقال مرتبط بجهاز ذكي لإدارة المياه.
تأتي هذه المبادرة ضمن استراتيجية موسعة يرعاها المجلس الإقليمي لتنمية القطاع السياحي وجعل الإقليم نقطة جذب للسياحة الوطنية والدولية على حد سواء.
تجسد هذه الحملة، التي أطلقها المرصد الوطني لحقوق الطفل تحت شعار “لنعمل معا”، بإشراف من صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم، عزم المغرب على حماية أطفاله من التنمر المدرسي، الآفة العالمية التي تتطلب التزام الجميع.