نسرين الراضي : أنا… امرأة قوية

دخلت مجال الفن من بوابة التكوين الاكاديمي، وهي تتعقب حلم الطفولة، و بوضوح البراغماتيين رسمت مسيرتها كممثلة سينما تخطف انتباه محترفي الصناعة السينمائية داخل وخارج المغرب. «الجميع يحب تودا»، هو فيلمها الأخير الذي تم ترشيحه للمنافسة على وسم أفضل فيلم أجنبي ضمن مسابقات الأوسكار، دور تقدم فيه نسرين الراضي شخصية «شيخة» تخوض رحلة كفاح صعبة لتحقيق حلم. عن هذا الفيلم ومشاريع أخرى، تتحدث نسرين الراضي لنساء المغرب في حوار تكشف فيه عن فلسفتها في الاختيار والحياة وعن مساحات رهيفة من شخصيتها التي تجمع بين القوة والهشاشة.

ينافس فيلمك الاخير «الجميع يحب تودا» ضمن جوائز الاوسكار لأفضل فيلم أجنبي، لنتحدث عن دورك في هذا الفيلم …

بعد أوربا وبعد اختياره لتمثيل المغرب في مسابقات الأوسكار، أتمنى أن يصل إلى اللائحة القصيرة لأحسن فيلم أجنبي، سيخرج الفيلم أيضا للقاعات في فرنسا والمغرب خلال نونبر الجاري، وقبلها سيعرض ضمن فعاليات مهرجان مراكش الدولي.

أعتبر الفيلم في هذا الوقت تحديدا تجربة مهمة جدا في مسيرتي المهنية. لقد كنت في انتظار دور مماثل، يسمح لي بإبراز الكثير من الأشياء التي أشعر بها كممثلة…دور أصادقه، حدث هذا مع شخصية «تودا» التي لم تكن شخصية أديتها فقط، بل كانت صديقة في وقت كنت أعيش فترة صعبة خاصة بعد وفاة والدي، وقد تعلمت منها الكثير أفادتني وأفدتها..

كفيلم يتحدث عن كفاح تودا الشيخة الفنانة، ماذا أعطتك القصة كسردية حياة؟

القصص في الأفلام يمكنها أن تكون بسيطة أو حتى متشابهة، ما يصنع الفرق هو كيفية كتابة الشخصيات، وكيف تمت صياغتها. ف «تودا» شخصية محورية، ويشاهدها المتفرج من أول الفيلم حتى النهاية، وفي الجانب التقني الفني، كان المخرج نبيل عيوش يتابع ويلتقط كل التفاصيل بوضع الكاميرا قريبا منها على امتداد الفيلم، لكي يتمكن من نقل مشاعر واحساس هذه الشخصية.

المشاعر التي عاشتها الشخصية وما عانته هي الفيلم بالنسبة إلي، حين نركز على دور أو شخصية يكون ذلك هو الموضوع المحوري، نلمس دواخل الشخصية بطريقة قريبة «بزاف» وهذه هي السينما. 

مجموعة “SAfari” وحقيبة النمر من Saint Laurent

تقدمين دورا يتطلب قدرات إضافية منها الغناء، وهو أمر لا يبدو سهلا، كيف تمرنت على دور الشيخة؟ 

لقد أمضيت ما يناهز عاما ونصف في التحضير والتصوير، بدأت التدريبات مع المرحومة «خديجة البيضاوية» التي كانت معنا في بداية العمل، لكنها توقفت بسبب الحالة الصحية، وقد أهدتني « طعريجة ديالها»، وحين توفيت، قلت لنبيل عيوش أني سأمثل الفيلم بهذه الطعريجة، وكذلك كان.

بعدها كان علينا إيجاد شيخة أخرى، فأمضيت فترة-رفقة فريق الانتاج- في مدينة أسفي بحثا عن شيخة، فتعرفت على «سهام المسفيوية» شيخة شابة تعلمت معها ومع فرقتها الكثير، كنا نلتقي ونشتغل بشكل يومي، أحفظ عنها وتعلمني أصول الغناء، كنت أرافقها لحضور المناسبات التي تنشطها في المدينة…وتعلمت الكثير عن حياة الشيخات، كيف يتعامل الناس معهن، النظرة إليهن و قيمتهن في المجتمع، ففي بعض المدن التي لا تزال تحافظ على هذا التراث، لا يمكن أن تغيب الشيخة عن كل المناسبات .

وعدا التفاصيل التي تتعلق بالحرفة، تعلمت أشياء كثيرة عن الحياة الانسانية للشيخة.

بعد آسفي كانت هناك مرحلة أخرى من التدريب رافقتني خلالها «هدى ناشطة» شيخة أخرى من مدينة الدار البيضاء أمضت معي فترة مهمة في البيت، وتعرفت على بروفايل آخر للشيخة التي تجمع ما بين التراث والشعبي، وكنت أيضا أرافقها لأماكن العمل في حانات نوعية وأحيانا شعبية جدا. 

بالإضافة إلى التدريب والفترة التي قضيت مع الشيخات، كنت أتمرن مع أستاذ  للموسيقى تحديدا الإيقاع، وآخر متخصص في الغناء والأداء المهني، … لقد كانت تجربة كبيرة.

قميص فستان من الحرير، Balmain Studio 14

مرحلة للتحضير بهذا الحجم، هل تسبق كل أدوارك؟

في الأفلام الثلاثة الأخيرة التي صورت، تم التحضير لها بنفس الطريقة، لقد كنت محظوظة جدا لأني التقيت بمخرجين يرغبون  مثلي أن تكون أفلامهم حقيقية ويتم العمل فيها باحترافية.

هناك عنصر مهم في هذا الاختيار، وهو الميزانيات التي تخصص لهذه الأفلام والتي تسمح باعتماد هذا المستوى من التحضيرات، عكس أفلام أخرى لا تسمح بذلك لأن ميزانيتها لا تسمح بتوفير الكثير من إمكانيات العمل.

أستحضر هنا ما قاله لي نبيل عيوش-ولن أنسى ذلك مطلقا- ونحن في طور التحضير» نسرين هذا الدور «ديالك» ، ولديك الضوء الاخضر لتطلبي كل ما تريدين من الانتاج وسيقدمون لك كل الإمكانات التي تحتاجينها لأجل الدور حتى دون العودة إلي».

 كان ذلك شيئا مهما بالنسبة إلي، وأن أحظى بهذه التجربة هي فرصة لا تشبه غيرها.

هل كان اختيارك الشخصي أن تعيشي فترة التحضير مع الشيخات؟

كان اختيار المخرج نبيل عيوش، والاختيار تم بالتشاور معي.

قميص فستان من الحرير، Balmain Studio 14

استنادا على هذه الخبرة التي اكتسبت من القرب من «الشيخات» ؟ أي صورة لديك اليوم عن هذا الفن التراثي ؟

العيطة تراث مهم، الكلمات والأشعار المغناة هي نفسها، لم ينل منها التحريف، ولم يتم إبداع أشعار جديدة، بل يتم إعادة القديم، كل واحد يقدمها بطريقة مختلفة لكن الأساس هو نفسه. 

هذا يعني أن هذا التراث يصمد، لم يهمل، ولم يحرف، ويحتفظ بمكانة كبيرة، ليست هناك «عيوط» جديدة، لأن قوة هذه الأشعار أصيلة ونابعة من تربتها منذ البداية ومستلهمة من حاجات الناس ومن السياق الاجتماعي والسياسي والثقافي وكانت الشيخة صوتا للناس، اليوم هناك شيخات يجتهدن لكي تظل هذه الصورة بهذا التميز الذي كان للشيخة في القديم.

واليوم هل يمكن للشيخة ان تحرضنا على الفعل وعلى موقف من الحياة؟ لا أظن ذلك، وأعتقد اننا اليوم حين نشاهد الشيخة لا نستمع إليها بل نتفرج عليها، لا نهتم للكلمات أو الغناء، بل بالصورة، وهذا لا ينطبق على الشيخات فقط، فالصورة هي ما يحكم وما يهيمن.

فستان محبوك من Balenciaga

الجميع يحب تودا، ماذا يريد هذا الفيلم أن يقول لنا؟

أظن أنني كممثلة أو حتى بالنسبة للمخرج، لم أفكر في ماذا  سيقول الدور أو الفيلم للمشاهد  لأنه حين نريد أن ننجز فيلما، ليس علينا التفكير في الناس وفي الجمهور. هاجسي الأساسي هو  الاحساس وتجسيد الدور بكل جوارحي، لا أفكر في الجمهور لأنه سيستقبل إيجابا وتأكيدا ما هو نابع من القلب. 

 والدافع هو وجود مشاعر عميقة وقوية تجاه موضوع او شخصية ما، يجب أن تعبر عن نفسها، وهي ما جعلنا أنا والمخرج نلتقي حول عمل في وقت قد يكون الأنسب للتحدث حول الشيخات ونذكر الناس بقيمتهن وأنها أسمى مما نراه اليوم.

 ضمن قصة الفيلم، تواجه تودا المجتمع وتتحدى نفسها لكي تكون شيخة حقيقية، وهي تعبر عن ذلك في أحد المشاهد ( أنا ما بغيتش الفلوس أنا بغيت تكون شيخة بصح) هذا يعني أنها تحب فن العيطة وأنها ذهبت لأماكن لم تلق فيها التقدير اللازم، وبنفس الوقت تساعد ابنها وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة لكي يتمكن من الالتحاق بمدرسة الصم والبكم في الدار البيضاء.

طوال الفيلم نتابع كفاح تودا ومعاناتها كشيخة، لكن في وسط الأشياء الصعبة التي تعيش تحتفظ و لآخر لحظة بقوتها وعنفوانها لكي تنجح في تقديم الفن الذي تريد.

هذه اول تجربة سينمائية لك مع المخرج نبيل عيوش ؟

كمخرج في السينما نعم، لكن كمنتح سبق ان اشتغلنا معا في فيلم «آدم» ومشاريع أخرى في التلفزيون، وكتب الفيلم وهو يعرف أني أنا من سأمثله، بالتالي كان سهلا علينا الاشتغال مع بعضنا . 

الاشتغال مع نبيل كان تجربة كبيرة لي، إنه مخرج مهني جدا، لقد شعرت أني اشتغل في بلد آخر، منذ أول خطوة في هذا المشروع وحتى الآن في جولات الفيلم ضمن المهرجانات، يتكرس لدي هذا الإحساس. هناك مخرجون آخرون اشتغلت إلى جانبهم مثل ياسمين بنكيران، التي حرصت أيضا على تأمين اشتغال وشروط عمل مهمة ومهنية رغم ان ميزانية مشروع «ملكات» ليس مثل «الجميع يحب تودا» ، لكنه كان أيضا اكبر من الإنتاجات المغربية لأنه انتاج مشترك مع دول كثيرة.

فستان ZiMMERMANN من الكتان والحرير في الاستوديو 14
حذاء جلدي ذو لونين Alexandre Vauthier من Les muses

الإنتاجات المشتركة هل هي ما يمكن ان يعطي إشعاعا للفيلم المغربي؟

قمت بتمثيل خمسة أفلام ضمن إنتاجات مشتركة، واعتقد أنه أمر مهم للسينما المغربية بحكم ضعف الميزانيات المخصصة للسينما من المركز السينمائي لدعم الأفلام . وهذا يعني انه علينا البحث عن دعم آخر إضافي من أجل تأمين الابداع الفني الذي نسعى اليه، فالإبداع الفني مرتبط بالإبداع المادي، وهما لا ينفصلان. لا يمكن أن تصنع سينما بدون مال، ولو كنت تنجز بقلبك ومشاعرك ومع أصحابك.. ستحتاج للإمكانات المادية، وكلما كانت الميزانيات متوفرة، يصبح الجانب الفني ( الذي يجب ان يكون جيدا) أفضل وأجود.

نادرا ما نجد ممثلا متخصصا في مجال السينما، بالنظر لرصيدك المهم سينمائيا، هل يمكن أن نقول انك ممثلة سينما ؟

أنا ممثلة مطلوبة في السينما، اليوم وقبل أيام من خروج «الجميع يحب تودا» للقاعات أنهيت تصوير مشاهدي في فيلمين سينمائيين آخرين : الأول أجنبي والثاني مغربي بإنتاج مشترك.

لا أتوقف عن العمل، أنا أعرف نفسي، وهذه خطتي أنا لست هنا في هذه المرحلة من حياتي المهنية عبثا، بل هو نتيجة اجتهاد وهو مشروع شخصي أرعاه منذ كنت بعمر ست سنوات. أعرف أني أرغب ان أكون ممثلة سينمائية، والتحقت بالمعهد وأنا أريد أن أتخرج ممثلة سينما وليس مسرح واشتغلت على «تنيسي وليامز» وانا أدرك أنه اقرب واحد في المسرح للسينما، هذه خطة مدروسة.

فستان محبوك، philosophy chez les muses

يختار المخرج الممثل بناء على قدراته في التشخيص والتلون في آداء الادوار، بالمقابل ما هي الشروط التي تحضر في اختيارك للمخرج؟

انا متابعة جيدة لكل ما ينتج من أعمال، وانا أعرف كل مخرج مغربي وأعرف أعماله واشاهد كل افلامه، بالتالي حين يقترح علي مشروعا، فإني اعرف مسبقا أسلوبه وأفلامه فلا أضيع الوقت. أطلب السيناريو وأطلع عليه، فإذا لمس في شيئا فسأقبل المشروع، وسأعتذر في حالة العكس. لأن المؤشر الأول الذي أحتكم إليه في قبول الدور هو أن يخاطب ويلمس مشاعري، إن لم يحدث ذلك، فلن أعطيه ولن يعطيني.

لكن من الضروري على الممثل أن يكون مطلعا على كل الأفلام، لكي يتمكن من الحكم والاختيار …، إنه مجالي وأنا مشاهدة جيدة، فأنا اشتغل هنا وليس في بلد آخر.

اليوم إلى اي درجة انت قريبة من قضايا النساء ؟

بعيدا عن مهنتي كممثلة، أنا ايضا ولدت في المغرب ولدي نظرتي عما يحدث، لقد شاهدت ممارسات عنف في الشارع على نساء أخريات، وكنت ضحيتها أيضا، أشياء يومية تحدث في محيطنا تساهم في بناء فكرة ما لك عنك، وتستفز فيك رد فعل 

يتحول إلى تحدي أن تتبث نفسك وقدراتك، وأن يكون لك رأي آخر، وأن تتحدث عن ذلك. هذا ما أقوم به في السينما، أشتغل على كل قضايا النساء، وأتعامل معها بحساسية لأنه بالنسبة لي كل هذه الشخصيات تحتاج إلي وتحتاج لصوتي لكي أكملها وأتحدث عنها، ولا يمكن أن أفعل العكس.

 وانا هنا لأساهم في الأفلام التي اشتغل بها والتي تشاهد في العالم، لكي أتحدث عن نساء كثيرات وعن حقوقهن وكيف يجب علينا أن نميزهن.

معطف من الصوف والجلد،Sara battaglia منLes Muses

عملك في التمثيل ماذا غير في محيطك؟

لقد غير الكثير في أولا، لقد منحني الثقة لكي أكون امرأة قوية، كيف أنظر للمجتمع ألا أبقى تلك المرأة الضعيفة التي تخشى الخروج للفضاء العام لكي لا يزعجها المزعجون، صوتي سمع في أفلامي وفي حياتي، ومحيطي القريب يشعرني بالدعم حين يقال لي فخورين بعملك واختلافك وتميزك …هذا يجعلني أفكر ان اختياراتي كانت صائبة .

لديك شخصية حساسة وتنتقلين بين القوة والهشاشة…

لا ينفصلان ، انا حساسة جدا وأتأثر سريعا، لا أقصد التأثر بكلام الناس أو آرائهم، ما يؤثر بي هي مشاعر الحب أو الخوف على الاشخاص القريبيبن مني .

أتأثر أيضا بمشاعري الشخصية « كيبقى في راسي»، فالشخصيات التي أجسد تأخذ الكثير مني، تستنزفني وكثيرا ما تساءلت هل أنا قادرة فعلا على المواصلة في هذه المهنة وعلى اقتراف أدوار وشخصيات أخرى تستنزفني، إذ بعد كل شخصية ودور أجد أني مدمرة، وتكون دموعي قريبة جدا، أقاوم هذه المشاعر بالسفر ما بين تصوير وتصوير .

مجموعة “SAfari” وحقيبة النمر من Saint Laurent

تزعجك الشهرة ؟ 

تزعجني لأنها تمنعني أن أكون أنا كما انا، طبيعية وعلى سجيتي مائة بالمائة، أرغب في الهروب بعيدا لكي أضحك أو أبكي وأعيش «على خاطري» وهذا لا يمكن إن كنت مشهورة في بلدك. 

وما طبيعة علاقتك بالسوشيال ميديا ؟

أنا حاضرة في السوشيال ميديا، لدي صفحات خاصة أتشارك فيها جوانب من عملي وعروض افلامي، ولا أشارك حياتي الخاصة.

 

تصوير ساجد محمد

ستيليزم وإخراج أنس ياسين

مكياج وتصفيف شعر صابرين‭ ‬غرويلي

شكر Annabel’s Casablanca 

يأتي تنظيم هاتين البطولتين في نفس الوقت وعلى نفس الموقع تخليدا لتقليد تنظيمهما بشكل مختلط، والذي كان قد ترأسه سنة 1993 جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، مؤسس البطولتين.
لا يتجاوز عمرها تسع سنوات حين كتبت مجموعتها القصصية المتميزة "آيريس وطفلة الشمس".
حصد الأستاذ المغربي مسعود عربية، المنحدر من إقليم تارودانت، جائزة “المعلم العالمي” خلال حفل أقيم في العاصمة الهندية نيودلهي.