في تقدير الأوائل أن البعض يولد ليخلد عصره، لكن ملهمتنا اختارت عكس الكلام المأثور بإصرار ها على أن تشكل مسارها لا أن تخلد عصرها فقط، هكذا فصلت خطواتها بكل ثقل وتوهج على مقاس حلم الشباب حتى صارت حياتها ملهمة لا مهيمنة، وحتى أصرت على أنها كلما أغمضت عينيها تشاهد فيلم حياتها يتكشف من خلف ذاكرة شفافة، كل مشهد فيه متعدد الجوانب ومتشابك في تحدياته،» أشاهد امرأة بقوام نحيل، ومشية واثقة، ونظرة ثاقبة كما لو كنت أتفرج على سيدة همها الكبير ربط خيوط اهتماماتها حتى لا تمر في الحياة مرور الكرام ، إنها أنا» تقول رجاء أغزادي.
نشأت في المدرسة المغربية، مدرسة الصرامة والتميز كما تصفها، تلك التي كوّنت عقولا حرة طموحة، والتي نقلت إليها حب المعرفة والوعي بالواجب، إذ بين مقاعد مدرسة الحي العمومية ودفاترها الأولى المكتوبة بعناية تشبه الوشم، وُلد حلمها الأول : حلم الرعاية، والتخفيف من المعاناة، والمبادرة.. ثلاثي شكل هاجس امرأة تتقن الإمساك بالهدف والتحدث عنه دون أن تتخلى عن ابتسامة الواثقة بما خطته لمسارها المهني.
منذ نعومة الشباب وانطلاق حماسه في داخلها، تركت بصمتها في «عالم الرجال» بعدما صار اسمها «رجاء أغزادي» مقرونا بلقب الدكتورة، هو عالم المشرط، والحياة المعلقة بخيط رفيع يجعلها محاطة بالخطر. جرّاحة وأخصائية سرطان، وقفت شامخة في وجه الألم، متحدية ما هو غير مقبول، أنقذت أرواحا كثيرة، وأعادت أملا كبيرا و ابتسامات كثيرة تحتفظ بها في ذاكرة تعيش التفاصيل باسترجاعها كأشرطة وثائقية، الذهن يسترجع لكن الحواس تعيش اللحظات كما لو كانت واقعا . خلف كل تدخل علاجي، كان يوجد صارع صامت داخلها يحث على : الوقاية، إنها الشغف الذي تمليه مسؤوليتها المهنية لأكثر من ثلاثين عامًا، خلال هذه السنوات دأبت على التأكيد على أن «الوقاية خير من العلاج، وأن الصحة تبدأ قبل غرفة العمليات بكثير، وأن التوعية والتثقيف والفحص هي بالفعل وسائل للإنقاذ».
لملهمتنا رجاء أغزادي قدرة على نقل المعرفة بدقة ولطف سيدة تؤمن بتعزيز مهنة الطب وإكثار ممارسيها، وهي في قلب ذلك لا تنشغل عن الإمساك بدينامو الأمل في حياة أفضل صحيا. الدقة التي تحمل جينات المرأة واحدة من رصيدها مهنيا، تصفها بدقة رقيقة تشبه رشاقة قوام امرأة تُوقظ وتُعلي وتفتح الأفق أمام الراغبين في الصحة والحياة. وتعتبر التدريب، ضرورة للحياة المتوازنة : تدريب العقول الحرة، تدريب الأطباء الأكفاء، وبكل بساطة تدريب البشر ..» إنها توصية امرأة أخذها انشغالها بالصحة إلى ما وراء الحدود، إلى قرى نسيها العالم لأن فيها أوضاعا تنقصها الجاذبية : مالي، والنيجر، وغامبيا، وأوغندا، وغانا، وساحل العاج، والسنغال، والسودان، وبنغلاديش… في هذه العوالم من الكرة الأرضية تنشط أغزادي إنسانيا بالتطوع والنضال لأفريقيا، الأخيرة تدخل في مشارعها و أجندتها كما لو كانت ضمن قسم أبي قراط.
ديبلوماسية الصحة هي قضيتها الجديدة والتي تؤمن بها كجزء أساسي في ما تعتبره لعبة الذكاء، هي مقتنعة بأن الصحة تبنى جسورا بين الشعوب، وأن الرعاية المشتركة، والتفكير المشترك، وتبادل الخبرات الطبية والإنسانية طريق بناء عالم أكثر اتحادا وقوة واستقرار ا: الصحة رافعة للسلام، لغة مشتركة، استراتيجية مثالية للتقدم و البقاء بتوازن تلك فلسفتها على الإطلاق.
ثلاث حيوات: طبيبة، متطوعة، ومدربة تنمية، في كل هذه الخبرات توجد امرأة واحدة، الخيط المشترك بين كل الحيوات هو : المعنى، تفعل كل شيء بمعنى، لا تلعب دورا تؤمن به مهنيا كان أو جمعويا، بل تجسده، لذلك هي مقتنعة بأنها لم تعد تبحث عن ذاتها لأنها تعرفها جيدا، وأكثر ما تعرفه أن منسوب الإنسانية فيها يحركها على أكثر من جبهة.
تركت أثرا كبيرا حين قادت بقدرة امرأة مشروعها الجمعوي «قلب المرأة» ، جمعية لمحاربة سرطان الثدي، فضاء خلخل وعي النساء من أجل الكشف المبكر عن مرض أدخلته الثقافة في تابوت الطابو لكنها أصرت على أن تجعل الثدي هو قلب المرأة لفك العلاقة الملتبسة مع السرطان.