في ثمانينيات القرن الماضي، لم يكن هناك من اهتمام بسرطان هذه الفئة العمرية إلا في أقسام العلاج بمستشفى الأطفال بالعاصمة الإدارية، فقد كان المصابون القادمون من المناطق النائية يعانون من بعد المسافة وصعوبة الالتزام بمراحل العلاج المكلف. كانت علوي، أنئذ، تلاحظ التخلي عن المواعيد الطبية المحددة لهم بسبب عجز الأباء عن التنقل للرباط. خسارة الأطفال كان بالنسبة لها مأساة، والمبادرة بتأسيس جمعية للمساعدة في تقليل المأساة بداية انخراطها الجمعوي في ملف طبي واجتماعي.
التزامها بهذه القضية كان التزاما بحماية الفقراء من أشد ما في الفقر وهو الموت عجزا عن الحياة. «كنت أرى العائلات الغنية للمصابين يتوجهون إلى فرنسا لعلاج أبنائهم، بينما الأسر الفقيرة تتوقف عند أول زيارة للمستشفى، مصاريف الإقامة في الرباط لمتابعة الحصص كانت مكلفة، هكذا كانوا يعودون بأطفالهم ليفقدوا حياتهم جراء التخلي عن العلاج.» تقول البروفسور فوزية علوي وهي تسترجع البدايات: «كان لا بد من التفكير في حل لأزمة وفاة أطفال السرطان الذين يجدون صعوبة في الالتزام بمواعيد العلاج، وكان ضروريا الانفتاح و توسيع المتدخلين وعدم الاقتصار على القطاع الطبي وحده لحل هذا الملف، هكذا ولدت دار المستقبل بهدف التقليص من تخلي أطفال السرطان عن العلاج.»
بحي النهضة 2، حصلت «جمعية المستقبل» على أرض بمساعدة وزارة الإسكان، ونظم الأعضاء في الجمعية التي، كان مقرها بمستشفى الأطفال بالرباط، حملة لجمع التبرعات لبناء الدار. مؤسسات، ومحسنون، وشركات بادروا بالتبرع، و كل التبرعات كانت مهمة بما في ذلك أقل مبلغ فيها. بنيت الدار و فتحت وأثتت فضاءاتها وأطلقت خدماتها المتمثلة في 54 سرير، و22 غرفة لاستقبال عائلات الأطفال المصابين بالسرطان من كل المناطق المغربية.
هي أول تجربة في افريقيا والعالم العربي أسستها امرأة يحضنها ركن ملهمة لهذا الشهر وهي فوزية مسفر علوي، وثاني تجربة بعد دار فيلادلفيا الأمريكية التي فتحت عشرين عاما قبل دار المستقبل المغربية، التجربتين معا كانتا تشتغلان على نفس الهدف: لا ينبغي للسرطان القاتل أن يتصيد ضحاياه من الفقراء العاجزين عن العلاج.
بعد أربع سنوات من بداية اشتغالها في مستشفى الأطفال، أيقنت البروفيسور «علوي» أن المرض يحتاج إلى داعمين، وأن أسر المرضى هي من تحتاج للمساعدة كي يكبر تحديها لظروف العجز عن تطبيب أبنائها، وعندما انطلق الاشتغال بدار المستقبل تأكد المفكر فيه حين كشفت المعطيات انخفاض وفيات أطفال السرطان. فقد كان لتأمين مكان مبيت العائلات بهذه الدار، وتوفير وسيلة نقلهم مع أطفالهم للعلاج، وضمان فضاء للأنشطة والترفيه وحتى القراءة، وتسهيل إجراءات العلاج، دورا كبيرا في نجاة الكثير من المصابين الذين علقوا أمالهم على الحياة بوجود مشروع إنساني وطبي، يعدهم بالمستقبل من داخل «دار المستقبل».
تتذكر، البروفيسور علوي، مراحل من مبادرات دار المستقبل بفرح امرأة لا تعترف إلا بالإنجازات، هكذا وقفت عند يوم تدشين المشروع من قبل صاحبة السمو الملكي الأميرة لالة مريم لتتنفس صعداء من تحقق حلم حياتها، كما استرجعت يوم اختيار المطرب السعودي محمد عبدو زيارة الدار ولقاء نزلائها من الأطفال المصابين بالسرطان، هدف الزيارة كان إنسانيا، من خلال التبرع بجزء من حفلته بمهرجان موازين لميزانيتها. الذاكرة تصاب بارتباك عن مفاجئتها بالسؤال، لكن في المستقبل القريب هناك إنجاز مهم يلخص تجربة لتقديم كتابها عن الاطفال مرضى السرطان.
هكذا توجت مُلهمتنا مسارها في علاج سرطان الأطفال وتأسيس ورئاسة «دارالمستقبل» بإصدار كتاب «من أجل حياة للأطفال المصابين بالسرطان». هو باكورة حياتها الذي احتضنت حفل تقديمه مكتبة كليلة ودمنة بالرباط تزامنا مع اليوم العالمي لسرطان الأطفال