القصة مؤلمة، لكن النجاح بعد الألم كان كبيرا وممتدا عبر القارات ومطبوعا بالجاذبية. في أدبيات الإبداع يربطون بين المعاناة والعملية الإبداعية أوالابتكار . تألم طه حسين من عماه فألف ألاف الكتب. وانزعج بيتهوفن من صممه فأخرج سمفونيات لم يسمع منها ولا واحدة تماما كما حدث مع لويس برايل..هم لم يكونوا مشاهير بسبب الإعاقة، لكن الإنجاز بوجود احتياج خاص جعل منهم ذلك.. نفس المصير حدث مع ملهمة العدد نجوى عوان. تعرضت لعضة كلب بيتبول في سن الثاثة عشر من عمرها، خضعت لسبعة عشر عملية جراحية لإنقاذ ما يمكن إنقاده من جسد طفلة كانت مولعة بالرياضة وسباق المسافات، خانت الحيل العلاجية الطبية انتظارها وانتظار والديها، فقد تقطع وريد واستحال الاحتفاظ بالساق الذي كانت تركض به. خرجت نجوى من الحادث بساق واحدة وهي مطمئنة على تخلصها من الألم الذي ملت جولاته على جسمها النحيف، في قاعات العماليات لم يكن حضها من حظ من كانت المعجزات بجانبه.فقد تغير إيقاع الحياة وشغفها وحتى جاذبيتها في ترتيبات مصابة بغدر كلب، اعتاد صاحبه على تدريبه على هزم بني جلدته، لكن أن يعوق حياة إنسان هي مأساة حقيقية.
ما أصاب الجسد من بتر طال أثره النفس أيضا. فقد تمكن الاكتئاب والعزلة من ملهمتنا. طبيعي هذا التجاوب بعد أن تغير توازن الجسد وتناسقه السابق. سباق العدو وألعاب القوى التي، اقتحمتهما بحافز من والدها ،الأستاذ الجامعي، صارت مستحيلا. والمستحيل قد تفرضه النفس المنهزمة جراء مشاعر الناس، إذ ردة الفعل المتراوحة بين الشفقة والتنمر تهزم أكثر مما تدعم . هكذا انحرف الحادث بنجوى عوان نحو الإنطفاء في سن الاتقاظ والاشتعال. كما خمد الجسد خمدت النفس قبل أن تخرج منهما القوة. لم يكذب من قال: الضعف يولد القوة. وكل القوة طلعت حين تصالحت نجوى مع جسدها، ساق طبيعية وأخرى اصطناعية يحملان جسدا جميلا، وطلة عصرية جعلت من دعامة الساق المبتورة شكلا لا إعاقة فيه.
بدأت نجوى تخط لنفسها مستقبلا بلا حواجز وهي تنتظم على تداريب لعبة التنس على الكراسي المتحركة، اللعبة المرتبطة في الأذهان بالنخبة، والمتطلبة أيضا لجسم في خفة البرق لصد كرات الخصم والتحكم في كل الاتجاهات. هكذا فكت نجوى عجز النفس والجسد عن الكسب والفوز والألقاب. والحصيلة بطلة وطنية وافريقية في كرة التنس، ومسار أكاديمي لم يستكن لشهادة واحدة وديبلوم وحيد، بل وشخصية قوية تدعم من يعانون من نفس الوضع، وتقدم ما يحفز على التصالح مع ذاتهم وأجسادهم، ولأشياء في نفسها، تحضر نجوى بقوة في كل وسائل التواصل الاجتماعي بشكلها المختلف، ساق حديدية وأخرى طبيعية متعمدة إظهار الأولى كنوع من الانتصار.
تستحضر نجوى وضعها الجسدي في كل موقف أو حدث لا يرتبط بالضرورة بها، هكذا ربطت حزنها بما يعيشه الحوز من مأساة الزلزال بعجزها عن المواساة عن قرب: أصعب إحساس أن تحارب من أجل وطنك وأنت في حالة كسر معنوي ونفسي وذهني، وفي حالة ضعف داخلي.»
الإنجاز في حياة من بترت ساقها في مرحلة عمرية حرجة، يعد ولادة من الرماد التي لا يعادلها إلا أسطورة الفنيق الذي كان يبعث من رماده. واحدة من آخر إنجازاتها تأهلها شهر شتنبر من السنة الماضية لبارا أولمبياد باريس التي ستجرى هذه السنة. الاعتزاز بمسارها تدونه وتؤرخه في حسابها بموقع تبادل الصور أنستغرام كجزء من يوميات ناجية من من أسوأ ما تتركه الإعاقة الجسدية وهو الضعف، لنقرأ لها: يشرفني أن أكون بنت هذا الوطن..اليوم توجت بطلة إفريقيا في التنس، وأول عربية وطبعا مغربية. وتأهلت إلى بارا أولمبيياد باريس 2024 في التنس».