في سيرتها الفنية رائحة الزمن الجميل من تاريخ الفن المسرحي المغربي والتنشيط الإيداعي والتلفزي. في سيرتها الإنسانية أصالة الهوية المغربية وعمقها المعتق من درب السلطان بالدار البيضاء، الدرب الذي لم يكن مغلقا على أهم ما يصنع الرموز ويبني ثقافة وحضارة البلدان: الفن، والأدب، والرياضة، والسياسة والعمل الجمعوي. ومن السيرتين، معا، قطفت الأجمل لحياة كانت ممتلئة بالإنجازات وبهدوء سيدة التوازن: سفيرة النوايا الحسنة. لقبها، من منظمة الأمم المتحدة للطفولة، جاء ثمرة انخراطها في قضايا الطفولة ببلادنا، وما عزز هذا الاستحقاق عملها مستشارة بالمرصد الوطني لحقوق الطفل تحت الرئاسة الفعلية للأميرة للا مريم. من أثر عضويتها بهذه الجمعية ذات المنفعة العامة، استحضارها في دورة برلمان الطفل بمراكش، ما قاله الراحل الحسن الثاني : «خوفي على «تْرابي» أن تضيع من الأسرة المغربية». اختيارها لهذا الجزء من خطاب ملكي لم يكن اعتباطيا، كان يعكس عجينة سيدة من تربية عريقة ومتفتحة في آن الوقت، لذلك كانت تقطب جبينها كلما تحدثت عن الزواج المبكر للفتيات، وعن الهدرس المدرسي، وعن إدمان الصغار. وتلك واحدة من انشغالها الجمعوي وترافعها مدنيا.
كانت قد فكت عزلة المسارح عن بنات جنسها بداية الخمسينات من القرن الماضي مع مسرح الهواة. التقطتها، بعد ذلك نباهة المخرج المسرحي الراحل الطيب الصديقي للمشاركة في مسرحية «ألعاب الحب والصدفة»، قبل أن يجر احترافيتها لللعب في عدة مسرحيات منها: «محجوبة» المقتبسة عن مسرحية مدرسة النساء ل «موليير»، المصادفة «لماريفو مومو» ، بوخرصة لأوجين يونيسكو، ذات الاحترافية رشحتها لمسرحية «سلطان الطلبة» و ديوان سيدي عبد الرحمان المجذوب» ومدينة النحاس».. الاحتراف مع عراب المسرح المغربي والعربي الصديقي، كشف عن طاقات امرأة لا تخجل من النزول من على الركح وهي تبكي من أثر دور لعبته. وكما تبكي في الحياة من وضع إنساني مقلق، تبكي في المسرح من دور أدته وأثر في مشاعرها. ذلك ما ميز نعيمة المشرقي التي لا تفصل بين الإنساني والفني، وبالخلطتين معا عاشت واحد وثمانون عاما كما لو كانت لا تعرف غير نسج التفرد. التفرد في العطاء بعينين باسمتين استحياء حتى وهي تعبر عن الألم. وتفرد في اختيار أدوار تناسب امرأة عبرت للفن المسرحي والسينمائي والتلفزي وهي تجر معها تْرابي المدينة العتيقة، وأصولها.
الممتلئ بالإبداع والعطاء لا يمل من الإضافات. بهذا الامتلاء احتضن الفن السابع والتلفزيون امرأة قادمة من محترف الخشبة، فأدهشت الجمهور بدورها في: عرس الدم، وباديس، وفرسان المجد، والبحث عن زوج امرأتي، وجارات أبي موسى عن رواية الكاتب والوزير أحمد التوفيق.. والدار البيضاء عرس الجواسيس للمخرج الفرنسي: آنري دوكواني والقائة طويلة لقامة سينمائية قال عنها المخرج والمسرحي محمد بهجاجي: تكرست عنوانا كبيرا للاختيار الفني الراقي الذي يناهض، بلا صخب، تيار الرداءة والإبتذال.. لأجل ذلك يصعب تصور مشهدنا الفني بلا نعيمة بنت درب السلطان..».
للحكي من صوتها رنين يخرس كل نشاز من حولنا، ويعيد ترتيب انتقاء ما في الحياة بإملاء من إيقاع صوت ينشد السلام والهدوء، فكان الاستحقاق عربيا سنة 1998: جائزة أحسن أداء صوتي في مسلسل أمينة من مهرجان الإذاعات العربية بالقاهرة. محطة وضعت واحدة نجاحاتها أمام المخرجين السينمائيين، ومنتجي البرامج الإذاعية والتلفزيونية. لذلك اختيرت لتقديم العديد من الأعمال التي تراهن على خامات الصوت والكارزما في تحقيق نسب مشاهدة ومتابعة. لذلك حكت من الواقع حكاية الحبيبة مي بصوت أعاد ذاكرة جمهورها إلى ألف لام وهي تبدأ الحكاية من : مْسِّيت بالورد والياسمين ومشموم الحبق وجنار وكانو رمانة..». الحكي عندها موهبة تعاقدت معه الأجيال حبا لأيقونة لا تكرر نفسها، لكن تحتفظ على ثروة انتمائها للعراقة. والمكافئة الأكبر لهذه القامة الفنية والإنسانية، توشيح ملكي بوسام المكافئة الوطنية من الدرجة الأولى سنة 2012 .يصعب حقا «تصور مشهدنا الفني بلا نعيمة» .