ليست من نوع الاختلافات التي لا تفسد للود قضية، بقدر ما هي حواجز تجعل العلاقة الزوجية تعاني من الخجل والبرود والمواقف التي تكذب الاعتقاد القائل بأن المعاشرة تقلص المسافات أو حتى تذيبها، لذلك تصبح المكابرة النفسية نوعا من العصيان الصامت على وجود حواجز لا تصمد عندما تسقط الأقنعة التي تم حبكها في البداية من أجل الارتباط بناء على توافق ما، بقدر ما تخلخل إيقاع الحياة بين الطرفين. فهل تفسد الحواجز بين الزوجين ود المعاشرة والاستمرار فعلا؟
يميل الكثيرون إلى اختيار نصفهم الآخر بطباع مختلفة ليحققوا تنوعا وحياة في علاقاتهم ويجعلوها بنكهات متعددة فارين من التقارب بين شخصياتهم وطباع من يختارونهم رفاقا في دربهم، إلا أن القليلون فقط من ينجح في عكس هذه المعادلة.
مراد 41 سنة، مستشار قانوني : تزوج امرأة تكبره بخمسة عشر عاما وتفوقه مهنيا واجتماعيا ولم يشكل له ذلك أي عائق في البداية سواء داخل أسوار بيته أم خارجه بالرغم من عدم رضى أهله عن هذا اللاتكافؤ في علاقتهما الزوجية بيد أن ظهوره وزوجته أمام الآخرين خاصة في المناسبات وفي المراحل الأولى، جعل أعين الناس تركز على الاختلاف الشكلي بينهما مما يزعج زوجته ويستفزها ويعكر صفو علاقتهما الزوجية إلى حد بعيد، ولكن قناعة مراد أستطاعت أن تعيد للعلاقة صفاءها واستقرارها وصمودها أمام نظرة الآخر التي لا تعدو أن تكون جانبية من الناحية الواقعية،بالنسبة للتدبير اليومي للعلاقة الزوجية.
محمد 36 سنة تقني : لم تجمعه بزوجته علاقة أو حب أو حتى إعجاب قبل ارتباطهما، وإنما كانت محط إعجاب والدته فاختارتها لوحيدها لتكون ثالثهما في البيت، وكان محمد راضيا أن تحل والدته محله في انتقاء الزوجة، إلا أنه كابر فيما بعد ليتعايش معها لاختلاف بيئتهما فهي البدوية التي لا تقرأ ولا تكتب، وهو ما نغص على محمد فرحته بعد اكتشافه ذلك في أيامهما الأولى، لكن ذكاءها الحاد كما يقول محمد ورغبتها في الحفاظ على عشها، جعلاها تستفيد من دروس محو الأمية وتكتسب أسلوبا جديدا مكنها من خلق شخصية مغايرة جديدة تلبي طموحات زوجها وتجذبه إليها.
ويؤكد باحثون في علم الاجتماع، أن النضج النفسي وكيفية التفاعل مع الاختلافات والتباينات بين الزوجين عاملين أساسين للتعايش مع الاختلافات وتجاوز المشاكل بين الطرفين. وأن النظرة إلى اختلاف المستويات الاجتماعية بين الزوجين على أنها حاجز أمام العلاقة السليمة والحكم عليها بالفشل، يكرس لمفهوم التراتبية، وأن تصريف أي حاجز في الاتجاه الصحيح والإيجابي يتوقف على قناعة الطرفين.
رأي الأخصائي : عبد الكريم بلحاج، أستاذ علم نفس
هل للحواجز بين الأزواج تأثيرا سلبيا على العلاقة الزوجية ؟
وجود تفاوت سواء في السن أم الوضعيات الاجتماعية قد يكون سببا في الخلافات بين الزوجين وقد تتطور هذه الخلافات بتكرارها واستمرارها إلى حواجز تعمق الهوة بين الطرفين خاصة إذا كانت علاقتهما هشة، في حين تستطيع العلاقات المبنية على أسس متينة كالحب والتفاهم والاحترام أن تصمد أكثر من غيرها.
كيف تفسر النزوع إلى التصادم عندما تعرف العلاقة الزوجية شكلا من أشكال التصادم نفسية كانت أو جنسية أو اجتماعية ؟
إن النزاعات بين الأزواج بمثابة تعبير عن صراع خفي غير معلن يجد تبريره في الضغط على وتيرة الاختلاف في المستويات وبالتالي فإن الدينامية النفسية التي تحرك صراعا من هذا القبيل تبقى ذات معان لا شعورية بحيث تطفو غريزة الموت والتدمير على الواجهة في مقابل غريزة الحياة وهذه الثنائية الغريزية مثلما تبقى حاضرة كمصدر للدينامية النفسية على المستوى الشخصي لدى كل واحد من الأزواج فإنها كذلك تبدو كمعادلة يتفاعل نشاطها بحسب الوجهة التي تتخدها العلاقة بينهما وذلك فيما إذا كان يطبعها الحب والحميمية أو الصراع والتوثر، فغريزة الحياة تعكس مبدأ اللذة والواقع والغريزة الجنسية والمحافظة على الذات. في حين تنزع غريزة الموت إلى فك الارتباط والتحطيم والتدمير والالغاء. هذا باعتبار أن هدف الغريزة يتمثل في البحث عن الاشباع والذي لا يتحقق إلا بإزالة حالة الإثارة من الأصل وخفض التوتر.
هل يمكن الحكم على العلاقة الزوجية بالفشل لمجرد ظهور خلافات بين الزوجين ؟
كل نتيجة تتوقف على قدرة الأزواج على تكسير الحواجز والتواصل وتغليب الحاجيات والدوافع المشتركة على الذاتية كون العلاقة الزوجية تنبني على مصير مشترك.