تشتغلين على موضوعات التنوع والتعدد الثقافي..
قناعتي أن الغنى الثقافي يتولد عن العيش المشترك لثقافات متعددة، وهذا المشترك يغني كل شيء. وحتى لو تحدثنا بصفة عامة عن المفرد والجمع يتأكد الأمر. إذ كلما اكتفينا بأنفسنا كلما قلت فرصة هذا الغنى. وهذا نراه، حتى في سياق آخر، له علاقة بالأمراض مثلا. إذ كلما كانت العائلة لا تتصاهر إلا من نفس العائلة، إلا وارتفعت نسبة اصابتها بالأمراض.. يحصل نفس الأمر بالنسبة إلى الثقافة التي تكبر مع الآخر، وتمنح ما نسميه الغنى الثقافي..اذ كلما اختلطنا كلما اغتنينا. لماذا يعتبر الطبخ المغربي أيضا من بين الأهم والأشهر عالميا ؟ لأنه غني بثقافات مختلفة وفي جزء منه هو يهودي. المطبخ يجمع الكثير من الثقافات وعبره أيضا يتم الانتقال الثقافي لقاء الثقافات، و هي ما يعطينا الغنى والتنوع.
هذه من أبرز سمات الهوية لدى المغربي..
كانت من أبرز سمات ” تامغربيت” بـأبعادها المتنوعة، التي صنعت مجتمعا متعايشا بين المغاربة واليهود. اليوم للأسف، نرى تراجعا في هذا الانفتاح، وقبل اليوم، كان العلاقات أفضل بكثير بين المغاربة من ديانات مختلفة. في معظم المدن فاس ومراكش..وإلى الآن لازالت هناك آثار هذا التعايش الفريد من نوعه في العالم ، في زاكورة هناك قصبة اليهودي، هناك طريقة تسبيك الفضة على الطريقة اليهودية. لا زال الناس هناك يحتفظون بذلك ثقافة تميز منطقتهم، لازالت هناك المعابد والمسلمون هم من يسهرون عليها، في شكاكة، في محاميد الغزلان في الصحراء بشكل عام. هناك ما يعرف الرق، هناك الأضرحة والمزارات، ولا زال هناك حضور اليهود في الكلام والطقوس، في الموروث الذي ينتقل شفهيا، لأن هناك رغبة لا إرادية في تمريره، لكن، للأسف لا يتملكه الشباب الذين لم يعيشوا مع هته المجتمعات من اليهود. واليوم مع تضاءل عدد اليهود بالمغرب، وأمام الانغلاق مع رفض الآخر. ربما في مرحلة مقبلة قد نصل إلى مرحلة “ماذا نعني باليهود”.
ما أهمية هذه الحكايات الفردية بنظرك ؟
المهم بنظري، هو أن تحكي قصة اليهود وقصة ذهاب عدد كبير منهم من المغرب. شخصيا عشت قصة خاصة، إذ كانت أعز صديقاتي يهوديات، وكنا نسكن في فاس بعمارة واحدة، تضم عائلات مسيحية ومسلمة ويهودية. وكانت الأبواب في العمارة كلها مشرعة على بعضها : نحضر الحفلات، نتعلم القواعد وأسلوب الحياة لكل عائلة..ثم حدث أن سافرت عائلة اصدقائي بين يوم وليلة إلى إسرائيل، حزنت عليهم كثيرا، ولم يستطع أحد أن يفسر لي سبب ذلك أو أهميته..كانت هذه أولى جروح الطفولة. وأسرد هذه القصة لأقول إنه يجب علينا أن نقدم التوضيح، لأن الحكايات الفردية يجب أن تلتقي مع القصة الكبرى..يجب أن نكون جزء من القصة الأخرى. وحين نحكي يصبح التاريخ سهلا في التملك، وبعدها الترسخ في الذاكرة.
كان اليهود يسكنون في المدن الكبرى أو الامبريالية، لكنهم أيضا سكنوا في الجنوب، في تنغير هناك قرية كاملة لليهود. وسكن الأمازيغ اليهود مع المسلمين الأمازيغ..هذا معطى مهم يجب أن يدمج مع تاريخ المغرب، لا أن يكون تاريخا لنفسه أو بمفرده.
كانت هناك علاقات قوية، وحتى زيجات بين عقيدتين مختلفتين: ولكننا لا نتحدث عن هذا،
بينما يجب أن نساهم في الحفاظ على هذا التراث والتاريخ المشترك، الذي يمتد لآلاف السنين من أجل فهم هذه الذاكرة المشتركة.
سبق أن اشتغلت على مشروع ثقافي يهم النساء والأديان، بوجهات نظر نساء ينتمين للديانات الثلاث الاسلام والمسيحية واليهودية، لماذا هذا الاهتمام بالأديان والنساء ؟
قناعاتي تصب في فكرة مختصرة، هي أن مشروعا مجتمعيا لا يمكن أن يتحقق إلا بالنساء والرجال معا. ومع ذلك، اخترت موضوعات تعتبر حصريا مواضيع نسائية وأخرى رجالية. خلال مدة طويلة، اشتغل الرجال فقط بالدين والشؤون الدينية، وبصفة عامة نلاحظ أن الأشخاص الأقرب للناس هم : الإمام، الأحبار، الأساقفة وكانوا دائما رجالا، ومؤخرا فقط، بدأنا نرى النساء في هذا المجال، ولكن المدهش أن المسيحية التي وصلت مستوى مهما من تبني العلمانية في العالم، تبقى مقفلة على المرأة ولا تسمح للنساء بممارسة مهمة الأسقفية .وعلى مثل هذا يشتغل المشروع ، أي أن نقول إن النساء يعرفن التفكير في الدين وفاعلات فيه. كما طرح المشروع مسألة التعايش بين الأديان في المدينة، ومسألة التمييز ضد النساء في الأديان الثلاثة.
نعيمة الحاجي