مع كل قضية تستفز مرجعياته الأخلاقية الدينية القانونية والحقوقية ينتفض المجتمع ويدخل في جذبة من الجدل وصدام الآراء، والحال، أن الكل يحلل، يناقش، يهجم، يشهر بمتهم، ويحاكمه كما لو كان قضائيا دون انتظار أهل الاختصاص.
وخلف كل رد فعل، يختلط العارف بالجاهل ويكثر اللغط حتى يغطي»المتمردون» ضد سلوك يمارس باسم الحريات الفردية على ما يمكن أن يقوله القانون والمكلفون بحفظ الأمن العام. إنه واقع آخر جذبة لمجتمع مواقع التواصل الاجتماعي جراء تواجد مؤثرة في بيت زوج متزوج، تهمة الخيانة الزوجية خرجت من تفاعل سكان العالم الافتراضي مع نشر الخبر مدعوما بصور المعنية، وحملة تشهير كبيرة ضدها مست بالمبدأ في القاعدة القانونية : المتهم برئ حتى تتبث إدانته، وأسئلة أكبر طرحتها الواقعة منها : هل يحق اقتحام حرمة بيت بدعوى وجود شبهة ما؟ ألا يشكل الإجراء مساسا بحريات الأفراد في الفضاء الخاص؟ ما الذي يحرك ردات فعل الناس بهذا الشكل؟ تقول المحامية رشيدة الدبيش : عندما يتدخل القانون في النوايا، نكون في منطقة خطرة . وعندما يتدخل المجتمع في الحياة الخاصة، نكون أمام انتهاك مبطن للحريات. وعندما يتنازع القانون والمجتمع والحقوق الفردية، لا بد أن نحدد : أين يتوقف أحدهم ليبدأ الآخر ؟ هل على المجتمع أن يراجع نظرته؟ أم أن يواكب القانون العصر؟ أم على الحقوق الفردية أن تقيد لتتماشى مع الخصوصية المحلية ؟ الإجابة ليست بسيطة .. ولكنها ضرورية، فالحريات الفردية ليست ترفا، والقيم المجتمعية ليست مطلقة ، والقانون ليس أداة وصاية. لكي نعيش في مجتمع متوازن، لا بد أن نعترف بهذا التداخل وأن نخلق توازنا مجتمعيا يحمي الجميع. القانون يحاسب الفعل لا النوايا، والمجتمع ليس من حقه أن يحاكم، الحريات تمارس لا تدان. حتى نصل إلى ترتيب أمور بيتنا باحترام الحدود، ستبقى قضايا مثل « أمرأة في بيت رجل متزوج « موضوع جدل بين ما نريده وما نحن مستعدون لقبوله».
موقف سيدة قانون وحقوق يقف بنا عند موقف مواطن يقارن بين الحق وممارسته انطلاقا من واقع تتجاذبه المرجعيات» إن الحريات الفردية في المغرب مضمونة بالدستور والقوانين التنظيمية، لكن عمليا يصطدم بعضها بالشعور العام وذهنية مجتمع يزن كل شيء بفهم سيء للمرجعيات دينية كانت أو أخلاقية، هذا النزوع إلى الرقابة يجعل البعض يمارسة الوصاية على الآخرين بمبرر ديني ثقافي من قبيل حرية «الإعتقاد» والذي يعتبر أمرا روحيا ونفسيا وشخصيا إلا أنه يصعب التصريح فيه بالاختلاف». تقول مستشارتنا القانونية رشيدة الدبيش: إن التداخل ما بين القانوني والاجتماعي والحقوقي والديني في المجتمع المغربي ينتج حالات ووقائع شديدة الحساسية، تتحول فيها النوايا إلى أدلة والشكوك إلى أحكام والحياة الخاصة إلى قضايا رأي عام في ظل قوانين لازالت تستند على مفاهيم أخلاقية تقليدية، ومجتمع يضع معاييره الخاصة خارج إطار القانون، هكذا تصبح الحريات الفردية مهددة، ويجد الافراد أنفسهم أمام محاكم ثلاثية : القانون المجتمع والرأي العام.. لذلك لا بد من شجاعة تشريعية ووعي مجتمعي يجنبان محاكمة الناس على الظن، وتقيد الحريات باسم الفضيلة، وألا يترك الشرف رهينة الهمس الجماعي..»
ممنوع على النساء!
في واحدة من صور التعسف على الحريات الفردية في مجتمعنا، إعلان تنظيمي لمؤسسات فندقية يرفض استقبال النساء المقيمات في نفس مدينة أو حتى البعيدة بمسافة 50 كلمترا. أثار هذا القرار جذبة واسعة لدى من يراقبون الوضعية الحقوقية في البلد، ويدافعون عن مكتسباتها والتي تم تقعيدها تشريعيا. والحصيلة أن التمييز على أساس الجنس صار من نظام خدمة سياحية تبنى عادة على عرض وطلب، وبيع وشراء، واستنادا على شروط الاستقبال والايواء التي لا توضع على مقاس جنس دون آخر.
حدث هذا التعسف في زمن يبني فيه البلد منظومته الحقوقية بكثير من الجرأة على مستوى القوانين، خصوصا القوانين المتعلقة بمساواة الجنسين في الحقوق والواجبات. المنع كانت له خلفية منسجمة جدا مع الفكر الذكوري الذي لا يقبل بأن تبيت امرأة متزوجة في فندق بينما بيت الزوجية لا يبعد إلا بمسافة ساعة زمنية، ولا ينظر إلا بعين التهمة لعازبة تختار خدمة مؤسسة خاصة للمبيت، الأصل في القرار هو الشبهة الأخلاقية، والتهمة المبنية على النية والشك، يقول المحامي محمد ألمو: المبدأ هو أن هذا القرار مجانب للحقوق، فيه سلوكات تمييزية، مخالف للدستور وللفصل 19 منه الذي خصص للمساواة بين نساء المجتمع ورجاله، والأصل في المؤسسات الفندقية أنها مؤسسات عامة تقدم خدمات حيوية هي الايواء والمبيت، الشروط التي تحكمها هي الشروط التي تحكم العملية التعاقدية، الفنادق بمجرد فتح أبوابها للعموم ووضع بنية استقبال تعتبر من الناحية التعاقدية قبولا، كل ما على الشخص هو الادلاء ببطاقة الهوية، احترام الضوابط القانونية كعدم حمل الممنوعات، وغيرها لكن الإقدام عل منع النساء من خدمة المبيت لأن عنوان إقامتهن في نفس المجال الجغرافي الذي توجد فيه المؤسسة الفندقية، هذا تعسف وعار في عهد أعيد فيه النظر في القوانين ليتساوى المواطنون على أساس المواطنة لا أن يميز بينهم على أساس الجنس» .
القرار وجد الاحتجاج عليه لأنه مخالف للقانون، ورفض العمل به، أكثر من ذلك، ووجه بسلطة وزارة العدل في الحفاظ على العدل بين الناس من خلال وزير العدل الذي أبعد القرار من دائرة القانون واعتبره ناسفا للمساواة ومواطنة النساء .