في معترك الحياة اليومية، تكد المغربيات ويسعين، يساهمن في بناء الأسرة وتنمية الثروة، لكنهن في سجل الأرقام، يتذيلن أسفل القائمة بنسبة ملكية لا تتجاوز 7 بالمائة في الوسط الحضري و1 بالمائة في الوسط القروي.
في مؤشرات العمل المهني كما المنزلي تساهم المرأة في الناتج الداخلي الخام بتعدد أدوارها وتعقدها، ومقابله لا يتم الاعتراف أو اعتبار هذا المجهود في ميزانية الأسرة…
في القرية كما في المدينة تساهم النساء بطرق مختلفة في تنمية مال الأسرة واقتصادها، بالعمل المنزلي بالرعاية، بالوقت، بالمداخيل المالية لكن كل ذلك لا يشفع لهن بالاعتراف بهذه المساهمة واعتبارها عند الطلاق أو وفاة الزوج.
هل يقفل المغاربة أعينهم عن ذلك ؟ هل يعرفون أو يعترفون بحق الكد والسعاية العرف الذي يعطي المرأة حقها من مالية الأسرة ؟
في السياق الذي تعرفه بلادنا اليوم، المرتبط بتعديل مدونة الأسرة، يعود هذا العرف/ القانون الى واجهة النقاش، فهل يكون أحد الحلول التي تعدل ميزان الحقوق المالية بين الجنسين ؟
في رمضان الماضي، وهما في السيارة يستمعان لإحدى الإذاعات، تخبرنا فتيحة أن البرنامج كان يستضيف أحد المتخصصين في الشؤون الدينية، ولدهشتها الكبيرة، فوجئت بزوجها يغير الموجة حين سمع ما لا يعجبه ( اعتبر الضيف أن المرأة غير مجبرة على القيام بالمهام المنزلية، وأن الزوج ملزم بتوفير من يخدمها في البيت مقابل أجر، وأن الأعمال المنزلية من طبخ وتنظيف وخلافه لا تدخل ضمن مسؤولياتها) لم يستسغ زوجي هذا الكلام خاصة بعد ان «شهد شاهد من أهلها» .
الشاهد بالنسبة لفتيحة أن الرجل لا يريد التضحية بوضعية المستفيد، فهو يقبل أن تشاركه الزوجة المسؤوليات المادية ( أخت زوجة ابنة) ولا يقبل أن تقاسمه الحقوق المادية المترتبة عنها، فكيف يمكن أن يعترف بحق الكد والسعاية ؟.
تنسحب هذه الشهادة على الكثير من االشهادات التي تحكيها النساء ضمن حالات عديدة من عدم التكافؤ في الحقوق المالية التي لا تعترف لهن بحق المساهمة والكد والسعي، ومنها حالات تدخل ضمن منظومة المواريث التي تطرح فيها اليوم اقتراحات للتعديل.
في التعريف الذي تقدمه لنا «أمينة بن الشيخ» الباحثة في الامازيغية ومستشارة رئيس الحكومة في القضية الامازيغية، يعتبر «الكد والسعاية أو حق الشقاء أو باللغة الأمازيغية اصريض ن تمازالت قانونا عرفيا منصوص عليه في لوائح جزولة، تعارفت عليه قبائل سوس، وهو حق المرأة في الأموال المشتركة من تاريخ الزواج إلى تاريخ الطلاق بنسبة النصف، كذلك في حالة وفاة الزوج ، فالزوجة تستخرج حقها أي تحوز نصف الأملاك المكتسبة وهي معه من تاريخ الزواج إلى تاريخ الوفاة ثم يتم بعد ذلك تقسيم التركة حسب الشرع الإسلامي .بالنسبة لأمينة يعترف هذا القانون العرفي بعمل المرأة سواء داخل البيت او خارجه، فعمل المرأة داخل البيت من تربية الأطفال والكنس والطبخ وغسل الأواني أو الملابس كلها أعمال توفر للرجل الراحة وتمنحه الفرصة في العمل والكسب وبذلك فالمرأة تستحق بذلك نصف ما اكتسبه أثناء الارتباط بها» .
الكد والسعاية لجميع افراد الأسرة فكرة أخرى تشير اليها أمينة «فحسب الفقه المالكي فإن تعريف حق الشقاء يسري بشكل شمولي دون تمييز على جميع من يكد ويشقى من الأولاد والبنات.
من جهته يربط الباحث و الناشط الحقوقي «أحمد عصيد» بين هذا العرف وبين طبيعة الثقافة الأمازيغية التي تحضر فيها الكثير من ملامح المساواة في الحقوق والواجبات، «القبائل الامازيغية كانت لها منظومة ثقافية خاصة ونظام قيمي يعبر عن نفسه من خلال طبيعة الأعراف القبلية التي كانت تجرم العنف ضد المرأة مثلا و تسمح لها باكتساب الأموال مع الزوج، ويتأسف عصيد على كون القوانين الأمازيغية لم تعتمد كمصدر للتشريع بعد خروج الاستعمار مع ما فيها من إيجابيات، ومنها «تامزالت» الذي يعترف للمرأة بحقها في الكد والعمل و بأن المجهود الذي تبذله ولو كان داخل البيت يجب أن يكون له مقابل.
طبق هذا العرف أساسا في جهة سوس ، وهو قانون عرفي ولكنه عاد للواجهة حين دافع به الاستاذ «الحسين الملكي» على موكلته أمام محكمة أكادير وقضت المحكمة به لصالح الموكلة وأصبح بمقتضى اجتهاد قضائي يمكن الدفع به أمام المحاكم المغربية لكل المواطنين وليس فقط لدى الأمازيغ. في نفس السياق تذكر أمينة بن الشيخ بأن الفصل 49 من مدونة الأسرة لم يأخذ مبدأ تقسيم الممتلكات كمرجعية مغربية أمازيغية من العرف المغربي الأمازيغي الكد والسعاية ولكن تبناها كمرجعية اجنبية غالبا فرنسية مما أخرجه من سياقه وأبعده عن معناه الحقيقي.