عبد الوهاب رفيقي «رمضان شهر التناقضات»

لأسباب متعددة، انتقل الصيام من عبادة دينية روحية إلى طقس اجتماعي، واتسع التعظيم الاجتماعي لرمضان ليتجاوز ما هو ديني، هي بعض الأفكار التي يشير إليها في هذا الحوار، محمد عبد الوهاب رفيقي الباحث في الفكر الاسلامي، الذي يشرح الكثير من أوجه التناقض في سلوكيات المغاربة ارتباطا بشهر تتجدد فيه أسئلة الدين والتدين.

يمثل شهر رمضان بكل حمولاته مجالا لملاحظة التناقضات لدى المغاربة : الحرص على الصيام التدافع في المساجد، كثرة الفتاوى بدون علم، الإسراف، الغش.. إحدى القراأت الأولى التي تقدم في هذا السياق هي وجود شيزوفرينيا لدى المغاربة، ماهي قراءتك لهذه المؤشرات ؟
لا أحب أن أصف المجتمع بكونه منافقا وشيزوفرينيا، ولكن هذا لا يعني انه مجتمع خال من التناقضات خاصة فيما يتعلق بتفاعله مع الصيام وشهررمضان بشكل عام، خصوصا اذا علمنا أن المغازي والمقاصد التي شرع من أجلها صيام رمضان، يتحقق عكسها داخل المجتمع في عدة صور سواء من حيث التمثل للصيام أو من حيث السلوكيات المنتشرة، من حيث التركيز على بعض الصور والطقوس الظاهرية بدل التركيز على عمق الصيام. في الإسلام كما في سائر الأديان السماوية الصيام هو عبادة روحية، رياضة للنفس وتهذيب لها عبر منعها من الشهوات التي تقبل عليها في سائر الشهور. لكن الواقع أن شهر رمضان ينتهي دون أن تتحقق للناس تلك المغازي والمقاصد إلا الشيء القليل أو عند النادر من الناس.
لا ننسى أيضا أن شهر رمضان، وقد يكون هذا واحدا من الأسباب التي تمنع تحقيق تلك المقاصد، انتقل من كونه عبادة دينية روحية إلى كونه طقسا اجتماعيا، وهذا المزج الذي حصل بين الطقس الاجتماعي والشعيرة الدينية هو ما ولد الكثير من السلوكيات وجعل الناس يغفلون عن تحقيق مقاصد الشرع وأهدافه.

بنظرك ما السبب الذي يجعل البعض باسم الدين، يقدس الصوم، ويشهر ورقة الغيرة
عليه، و لا يتم استحضار الصلاة بنفس القيمة التي تمنح للصوم علما أنهما معا من أركان
الدين الاسلامي ؟
السبب في ما أسميه التعظيم المبالغ فيه للصيام في شهر رمضان مقارنة بباقي العبادات، وبالمناسبة يكاد ينفرد المغاربة بهذه المبالغة، بحيث لا نجد نفس التمثل عن شهر رمضان في مجتمعات إسلامية أخرى قريبة من المغرب أو بعيدة عنه، السبب يعود بنظري الى أسباب مختلفة منها ماهو تاريخي، ومنها ما تولد في الفترات القريبة. لقد مثلت الجماعة بالنسبة للمغاربة جزء من تكوينهم الاجتماعي على مر التاريخ، سواء تم ذلك في إطار القبيلة أو داخل المدن والحواضر، بالتالي فإن الصيام بما أنه عبادة جماعية وله طقوس جماعية، أصبح له هذا الثقل الاجتماعي بحيث ان الناس في هذا الشهر، يودون رؤية الناس جميعا على صفة واحدة، يمارسون طقسهم بشكل موحد، ويعتبرون الخارج عن ذلك متهاونا، وإن كانوا يعدونه متهاونا في حق الدين، ففي الحقيقة فلكونه متهاونا في حق الجماعة وخارج عنها. أضيف الى ذلك أن الاستعمارالفرنسي كان له دور في تكريس هذا التعظيم المبالغ فيه بسن القوانين المانعة من الافطار العلني وهو ما لا يوجد له أصل في الدين والشريعة، بل هو من شريعة الجنرال اليوطي التي أراد بها أن يتقرب الى المسلمين. من جهة أخرى، ساهمت بعض الأحلاف السياسية التي شكل فيها بعض مفطري رمضان طرفا سياسيا معاديا في التركيز أكثر على الشهر وتعظيمه. إضافة الى ذلك هناك أسباب اجتماعية أخرى جعلت الناس يعظمون رمضان أكثر من العبادات الأخرى رغم تساويها ، فالصلاة ليست مساوية للصيام بل أعظم منه باتفاق الفقهاء المسلمين، لكن بما أن الصلاة تتكرر خمس مرات في اليوم والصيام يعود مرة في السنة، تمت إحاطته بكل هذآلتعظيم الاجتماعي الذي يتجاوز ما هو ديني.

شهر رمضان هو بشكل ما، شاهد على تناقضات أخرى تخص الانتاجية والعمل، وبعض الأمور الاخلاقية الأخرى: الكذب الغش، التدليس في المواد الغذائية، هل يمكن لمفهوم المواطنة ان يكون كابحا لهذه التناقضات ؟
صحيح ، رمضان بالنسبة للمجتمع الذي نعيش فيه هو شهر التناقضات، ويبرز التناقض في التنحي عن المقاصد التي من أجلها شرع الصيام، لقد شرع الصيام لأجل الحد في الاقتصاد وحسن التدبير و الامتناع عن الشهوات والإحساس بمعاناة الفقير، بينما نرى العكس هوالذي تحقق، بحيث الإقبال على النفقات والاستهلاك في أعلى صوره، مقابل نقص الإنتاجية في العمل بسبب النظام الغذائي الغير المتوازن الذي يؤثر على صحة الفرد، وحتى بسبب وجود إحساس جماعي أو تمثل لشهر رمضان كشهر للكسل .
لقد جاء رمضان لكي يهذب الانسان سلوكه وأخلاقه كما جاء في الحديث الذي يشير الى أن من لم يمتنع عن قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يترك طعامه وشرابه، بالمقابل نجد أن قول الزور والعمل به وسلوكيات الغش، الخصام والسباب تكثر في شهر رمضان الذي شرع للعبادة، لترويض النفس وتهذيبها ، على العكس نجد رمضان هو وقت إقبال الناس على اللهو على الملذات، بل إن بعض الناس ينتظرون رمضان ليتذوقوا من ملذات الدنيا ما لا يتذوقونه في سائر الشهور،
كذلك لأن شهر رمضان أصبح شهر استهلاك من الطبيعي جدا أن تجد الغش منتشرا بين التجار بسبب اقبال الناس على الاستهلاك والشراء. أعود لأقول ان تمثل الناس للصيام لشهر والمغازي التي جاء من أجلها. هو ما يولد هذه السلوكيات المتناقضة خلال هذا الشهر، وهي سلوكيات لا تعكس تمثلا ايجابيا للمواطنة.

يرتبط رمضان أيضا بالكثير من برامج الوعظ عبر الفضائيات، ماذا عن الخطاب الديني وما مسؤولية الفرد هنا؟
للأسف فإن الخطاب الديني هو خطاب متخلف عما يجب أن يكون عليه. الخطاب الديني بدل أن يهتم بهذه المقاصد ويهتم بتأثير رمضان لا نجد فيه دعوة الى التخلق ودعوة الى تحقيق مقاصد الشرع على المستوى السلوكي والأخلاقي ولا تجد فيه نقدا مباشرا للسلوكيات المنتشرة في رمضان، وهذه أزمة غير مرتبطة برمضان بقدر ما هي مرتبطة بالخطاب الديني الرائج اليوم.

هل من قراءة تقدمها لإقبال الناس على «استهلاك» التلفزيون (دراما، فكاهة) في رمضان، أو كيف تأسس هذا الطقس الاجتماعي الثقافي المقدس ، هل من تفسير تاريخي؟
من المؤكد أن متابعة البرامج التلفزيونية وخصوصا مشاهدة المسلسلات الفكاهية والدرامية، كما نلاحظ جميعا أصبح بمثابة طقس اجتماعي ملازم لشهر رمضان، أعتقد بأن السبب فيه، يعود بشكل مجمل للبحث عن كل ما يمكن أن يخفف على الانسان من وطأة الصيام ويخفف عنه من طول الوقت الفاصل بينه وبين الإفطار، لذلك نلاحظ بأنه ليس فقط المسلسلات هي ما يجد سوقا رائجة خلال شهر رمضان، بل أيضا مختلف الألعاب الجماعية مثل «الكارطا» و «الضاما» والألعاب الالكترونية الآن على الانترنيت، فكل ما فيه تزجية للوقت، أو ما يعين على قضاء الوقت يبحث عنه الناس في رمضان، ثم تحول بعد ذلك الى طقس ملازم لرمضان، بحيث تعود الناس على مشاهدة مسلسلات فكاهية مثلا خلال فترة الإفطار ثم بعد ذلك انتقل الأمر الى مشاهدة مسلسلات درامية بعدها وهكذا.

شكلت دعوات الافطار العلني التي تطفو على السطح كل رمضان، واحدة من الحلقات غير المكتملة في النقاش العمومي، برأيك ما هي الأسباب التي تساهم في قمع هذا النقاش؟ وما تأثير ذلك على مفهوم المواطنة ؟ وهل من جذور تاريخية يمكنك الاشارة اليها ؟
فعلا فقضية الافطار العلني تطفو للعلن مع كل رمضان، وبشكل عام أنا مع فتح الحوار في أي موضوع، ومع أي نقاش، ولا يمكن بأي حال من الأحوال قمع هذا النقاش. فبحكم أن هناك فئة من المجتمع غير صائمة لرمضان لأسباب متعددة، إما لأسباب مرتبطة بالاعتقاد والأفكار وإما لأسباب مرتبطة بالأعذارالمبيحة للفطر في رمضان. لا يمكن غض النظر عن هذه الفئة، وعدم مناقشة الإشكاليات التي تعاني منها في نهار رمضان، إذ لا يمكن إكراه الناس على ما لا يرغبون به، أو أن تقوم الجماعة بإكراه الناس على الخضوع لعبادة أو شعيرة معينة، مهما بلغت قدسيتها في الدين. الأشكال الآن هو أكثر من قضية نقاش عمومي، بل هو قضية قانون وهذا القانون هو الذي يجب أن يطرح للنقاش، والسؤال الذي يجب أن يطرح هو هل يمكن الى حدود سنة 2023 أن نجرّم مخالفة الفرد والمواطن لشعيرة من شعائر الدين ؟.
طبعا هذا القمع له تأثير على مفهوم وحدود المواطنة، لأن فيه الحد من حرية الناس فيما لا يأذون به الآخرين، لأني لا أعتقد بأن الافطار في رمضان من طرف شخص ما يشكل أذى لأي شخص آخر، هذه شعيرة وعبادة دينية للجميع الحق في أن يؤديها أو لا يؤديها، كما هو الشأن في التعامل مع الصلاة، فهناك المصلي وغير المصلي، ولا يؤذي غير المصلي الآخر الذي يذهب للمسجد لآداء صلاته ، بالتالي هو نوع من قمع الحرية التي يفترض أن تكون مكفولة لكل مواطن في دولة حديثة وعصرية.
طبعا الفصل 222 له جذور استعمارية، بحيث أن المستعمر الفرنسي، وخصوصا المارشال ليوطي، كان أول من سنّ وشرّع هذا القانون، علما أن هذا القانون لا يعرف حتى في الأدبيات الدينية ولا يعرف عند الفقهاء.اذ لا يوجد عند الفقهاء أي عقوبة للمفطر في رمضان، وإنما «المارشال ليوطي» هو من أحدث هذا القانون في محاولة منه للتقرب من المغاربة، ولسن بعض السياسات التي سماها «إسلامية» حتى لا تكرر فرنسا الأخطاء التي ارتكبتها في الجزائر، ثم وظف هذا القانون بعد ذلك وأدمج في القانون الجنائي لأسباب سياسية أيضا مرتبطة بالصراعات التي كانت في بداية فترة الاستقلال بين القصر وبين القوى الحزبية، وبالتالي هذا القانون غير مرتبط بالدين ولا أساس له في الفقه الاسلامي، وهو قانون محدث مرتبط بما هو سياسي واجتماعي أكثر مما هو مرتبط بما هو ديني.

كيف يمكن تفسير مبدأ الحريات الفردية وعلاقتها بمبدأ الحرية في الاسلام؟
الحرية في الاسلام هي حرية مصانة ومكفولة، الناس أحرار في اعتقاداتهم، في أفكارهم، في سلوكياتهم ما لم تسبب أذى للآخرين أو تسبب ضررا مجتمعيا ،بالتالي فالإسلام كله قائم على الحرية والتخلص من عبادة كل ما سوى الله، كما أن ذمة المسلم متعلقة بمدى توفره على الإرادة التامة وعدم الإكراه، ولذلك اعتبر الاسلام المكره لا حكم له لأنه فاقد لحريته.
الحرية الفردية في الإسلام مصانة في الدين، حيث لا إكراه في الدين، وليس لأحد الحق في إجبار أحد حتى على اعتناق الإسلام، فبالأحرى إجباره على اعتناق بعض الشعائر. كذلك يمكن أن نفرق بين الفضاء العام والفضاء الخاص بحكم ارتباط الفضاء العام بالجماعة واختياراتها، وضرورة المحافظة على سلميتها، وفيما عدا ذلك فحرية الإنسان مصانة، كما أن الإسلام نهى عن التجسس وعن الإكراه ونهى عن كل ما فيه تدخل في حريات الآخرين.

مؤمنة بالجمع بين الاهتمامات مؤسساتية كانت أونقابية أو جمعوية حد الاعتقاد أنها كل لا يتجزأ. هي رئيسة لجنة الجهوية والتنمية القروية بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ونائبة رئيس لجنة الميزانية بجهة مجلس طنجة تطوان الحسيمة، ومؤسسة جمعية وفاق للتضامن والمساواة وتكافؤ الفرص.
كشف تقرير حديث بشأن ثقة المغاربة في مصادر الأخبار على شبكات التواصل الاجتماعي، فإن 51.4 % يثقون أكثر في الصحافيين المهنيين.
واصلت العداءة المغربية عزيزة العمراني أداءها الجيد بإنهاء المرحلة الثالثة في الصدارة بزمن 10 س و46 د و10 ث، لتعزز بذلك موقعها في صدارة الترتيب العام المؤقت بتوقيت 17 س و40 د و16 ث.