في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، عكس القفطان قيمته كقطعة ثمينة، حيث تناقلته الأجيال عبر عقود الزواج ووثائق تقاسم الميراث. تطوّرت أشكاله وخصائصه عبر الزمن، مُصنعًا من أجود الأقمشة كالمخمل والحرير والديباج، مُزيّنًا بزخارف وتطريزات تعكس إبداع الحرفيين المغاربة.
مراكز إنتاج القفطان
تنتشر حرف وتقنيات صناعة القفطان في جميع أنحاء المغرب، مع تميز خمسة مراكز رئيسية بإنتاجه: وجدة، تطوان، فاس، الرباط-سلا، ومراكش. كل منطقة تتميز بطابعها الخاص من حيث تفاصيل التصميم والزخرفة، ففاس تُعرف بأقمشة الخريب الفاخرة، بينما يشتهر قفطان تطوان بتطريزه المميز المُحاكي لشكل الخنجر.
أما الرباط وسلا فيتميزان بالأقمشة المخملية ذات الألوان الزاهية والأكمام الواسعة، بينما يُضفي قفطان مراكش لمسةً مميزة بزخرفته الزهرية على الجزء السفلي. وتُعرف وجدة بقفطانها العريض والواجهة الأمامية القصيرة، كل قطعة تُجسد رحلة إبداعية فريدة.
اليوم، ما زال «القفطان» حاضرًا بقوة في الحياة المغربية، يُزين أجساد النساء في مختلف المناسبات، من حفلات الزفاف إلى التخرج والاحتفالات الوطنية. كما يُعتبر من أهم الهدايا التي تُقدم للضيوف والسياح، ليحملوا معهم قطعة من روح المغرب وتراثه العريق.
رقصة المقص
في رحلة عبر الزمن، تُنسج خيوط صناعة القفطان المغربي التقليدي، حكاية عريقة تتناغم فيها الحرفية والإبداع. عبر مراحل تنفرد كل منها بلمسة فنان، يتجلى سحر هذا الزي الأصيل، حكاية تُروى على مهل، وتُطرز بخيوط الخبرة والصبر.
يُدشن «القصّ» سيمفونية صناعة القفطان، حيث يُمسك الحرفي الماهر بقيادة مقصّه، يرقص على أنغام قياسات الزبون، مُبدعاً نموذجاً يتماهى مع جسدّه. تتراقص خطوط النموذج على القماش المُختار، تاركةً وراءها مساراً دقيقاً لقصّ كل قطعة بدقة فائقة.
مع تجمّع قطع القماش، تبدأ نغمة جديدة، نغمة «التجميع». بأصابع فنان، يُلامس الحرفي كل قطعة، مُدركاً مكانتها، مُدركاً دورها في انسجام الصورة الكلية. دقةٌ متناهية، وحرفيةٌ عالية، تُضفي على القفطان تماسكاً يضاهي جمالياته.
تُكلّل «الزخرفة» هذه السيمفونية، فتُضفي عليها رونقاً خاصاً. لمساتٌ فنيةٌ تُلامس القماش، تُزيّنه بخيوطٍ ذهبيةٍ، أو تطريزٍ ناعمٍ، أو زخارفٍ تُعبّر عن روح المغرب العريق.
هكذا، تُكتمل حكاية القفطان المغربي، حكايةٌ تُروى على مهل، وتُطرز بخيوط الخبرة والصبر، حكاية تُجسّد تراثاً عريقاً، وتُعبّر عن هويةٍ أصيلة.