رشيدة الدبيش محامية : الحريات الفردية مقيدة بثقافة الخوف وبقوانين لم تواكب التحولات

الحريات الفردية ليست ترفا، والقيم المجتمعية ليست مطلقة، والقانون ليس أداة وصاية، هي بعض الخلاصات التي تؤكدها المحامية رشيدة الدبيش التي تؤكد أن الجواب المجتمعي على سؤال الحريات الفردية ليس بسيطا، لكنه ضروري.

اختلطت المفاهيم عن الحريات الفردية حسب الخلفيات ماذا عن القانون ؟

تعرف الحريات الفردية بأنها مجموعة من الحقوق التي يتمتع بها الأفراد في حياتهم الخاصة بعيدا عن تدخل الدولة أو المجتمع طالما لم يتعد على حقوق الآخرين أو على النظام العام. وتشمل : حرية المعتقد والضمير ، الحرية الجسدية ، حرية اللباس والتعبير عن الهوية، الحق في احترام الخصوصية والعلاقات الشخصية، حرية الحياة الجنسية الرضائية.وقد شكل دستور 2011 نقلة نوعية في تأصيل الحريات إذ جاء في عدد من نصوصه وفصوله تأكيد هذا المبدأ..منها الفصل 24 والفصل 19،لكن بالرغم من ذلك، فإن تفعيل النصوص يكشف تناقضا واضحا بين النصوص الدستورية والقوانين التنظيمية، خاصة في ظل استمرار العمل بقانون يجرم بعض مظاهر الحياة الخاصة كما أن القانون الجنائي المغربي يفرض قيودا على ما يشكل مبدأ الحريات الفردية : هناك الكثير من النصوص رغم انتماءها إلى قانون يعود لحقبة الاستعمار لاتزال تطبق إلى اليوم ، كالمادة 490 من القانون الجنائي، ومفادها ان كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تجمعهما علاقة زوجية تسمى فسادا ويعاقب عليها بالحبس . والمادة 491 من القانون الجنائي مفادها : العقاب بالحبس من سنة إلى سنتين لأحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية، ولا تجوز المتابعة في هذه الحالة الا بناء على شكوى الزوجة أو الزوج المجني عليه .. ويعد زنا اذا كان أحد الطرفين متزوجا وفسادا اذا كان أعزبا..إضافة إلى المادة : 489 من نفس القانون التي تجرم المثلية الجنسية وتعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلات سنوات .هذه المواد التى تشكل في نظر العديد من الفاعلين الحقوقيين خرقا واضحا لحقوق الإنسان والحق بالحياة الخاصة .. إذ بالرغم أن المغرب قد صادق على العديد من الاتفاقيات الدولية التى تتضمن حرية الفرد ، من بينها على سبيل المثال : العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة … الخ . إلا أنه ابدى تحفظات على بعض البنود، خصوصا تلك التي تخالف مبادئ الشريعة والأعراف المجتمعية ..  

بين القانون والمجتمع والحقوق الفردية : في المغرب كما في مجتمعات كثيرة تسير بخطى مترددة بين التقليد والحداثة وتتقاطع الحقوق الفردية مع القيم المجتمعية وتصبح « النية « موضوعا للمحاكمة أكثر من الفعل نفسه أخر 

هذه التقاطعات نراه جليا في مثل حالة « غيثة « ( تواجد امرأة مع رجل متزوج ببيت الزوجية في وقت متأخر، بدعوى علاقة مهنية، لتتدخل الشرطة بناء على شكوى من الزوجة ) . ما الذي يحكم هذا الوضع؟ القانون ؟ العرف ؟ الضمير الجماعي ؟ أم وهم الحريات الذي لم نحدد له بعد سقفا أو أساسا؟  

أولا : القانون …حاكم بالنصوص من الناحية القانونية، الفصل 491 من القانون الجنائي يجرم فعل الخيانة الزوجية بشرط وجود دليل على وجود علاقة جنسية وأن يتم بناء على شكاية من الزوج أو الزوجة . ومع ذلك فالنص لا يعاقب على التواجد، ولا على الظنون بل على الفعل الثابت، لكن تطبيقه في الواقع كثيرا ما يتساهل مع «القرائن الاجتماعية» بدل الأدلة الجنائية. 

ماذا عن تدخل المجتمع ؟ المجتمع قاض بدون منصة ؟ 

والمجتمع المغربي لا يغفر للمرأة توجدها في مكان « مشبوه» حسب الأعراف ، غالبا ما تدان قبل أي قضاء وتلصق بها تهم الفساد أو الخيانة حتى دون أدلة ….!!

ثالثا هذا يطرح سؤال الحريات الفردية بين القانون والواقع. في الدستور ينص فصله 24 على احترام الحياة الخاصة ، وعلى حرية التنقللكن في الواقع ، نجد أن الحريات الفردية لا تزال مقيدة بثقافة الخوف الاجتماعي ، وبقوانين لم تواكب التحولات. 

هل للمرأة حرية التواجد حيث تشاء ؟ هل يحق لرجل متزوج أن يستقبل زميلة مهنية في بيته دون أن يضع زوجته بالصورة؟ وهل غياب العلاقة الجنسية ، وغياب التلبس، وغياب الشهود ، يكفي لتبرئة الأشخاص من تهم تستند إلى «النية» لا الفعل ؟ أين نحن؟ ومن يحدد الخط الأحمر؟

 عندما يتدخل القانون في النوايا ، نكون في منطقة خطرة . وعندما يتدخل المجتمع في الحياة الخاصة ، نكون أمام انتهاك مبطن للحريات . وعندما يتنازع القانون والمجتمع والحقوق الفردية، لا بد أن نحدد : أين يتوقف أحدهم ليبدأ الآخر ؟ – هل على المجتمع أن يراجع نظرته؟ – أم على القانون أن يواكب العصر ؟ أم على الحقوق الفردية أن تقيد لتتماشى مع الخصوصية المحلية ؟ الإجابة ليست بسيطة .. ولكنها ضرورية …. الحريات الفردية ليست ترفا ، والقيم المجتمعية ليست مطلقة ، والقانون ليس أداة وصاية. فلكي نعيش في مجتمع متوازن، لا بد أن نعترف بهذا التداخل وأن نخلق توازنا مجتمعيا يحمي الجميع .. القانون يحاسب الفعل ، لا النوايا .المجتمع ليس من حقه أن يحاكم. الحريات تمارس ولا تدان… حتى ذلك الحين  ستبقى قضايا مثل « أمرأة في بيت رجل متزوج » موضوع جدل بين ما نريده وما نحن مستعدون لقبوله.

تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، نظمت كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، فعاليات النسخة الثالثة من برنامج "الكنوز الحرفية المغربية" .
الحريات الفردية ليست ترفا، والقيم المجتمعية ليست مطلقة، والقانون ليس أداة وصاية، هي بعض الخلاصات التي تؤكدها المحامية رشيدة الدبيش التي تؤكد أن الجواب المجتمعي على سؤال الحريات الفردية ليس بسيطا، لكنه ضروري.
سؤال الحريات الفردية مقلق ومزعج، والإجابة عنه تحركها المرجعيات التي تتلون بالديني والثقافي...