هكذا يصف الخبير في التنمية الذاتية والعلاج بالتنويم المغناطيسي، حلمي بنجلون، هذه التحولات الجذرية بقوله: “عندما يدخل السرطان أو أي مرض مزمن آخر إلى علاقة، يكون الأمر أشبه بانتقال شريك سكن ثالث إلى المنزل: فهم يشغلون مساحة، ويفرضون إيقاعهم الخاص، ويخلون بالتوازن العاطفي والحميمي والعملي.” هذه ليست مجرد استعارة، بل هي واقع يعيشه آلاف الأزواج يوميا.
عندما يتحول الزوج ة إلى مقدم رعاية
في اللحظةِ التي تُذكر فيها كلمة “ورم خبيث”، لا يصاب الجسد وحده، بل تصاب الروح المشتركة للزوجين. تقول “منى” ذات الثانية والأربعين عاما، والتي واجهت سرطان الثدي: “لم أكن أفكر بنفسي وحدي حين سمعت الطبيب، بل رأيت عيني زوجي تلمعان بالدمع. شعرت أن المرض أصابه هو الآخر، وكأنه صار جزء منا معا”.
المرض المزمن، كالسرطان أو التصلب المتعدد أو أمراض القلب المزمنة، لا يهاجم الجسد فقط، بل يهاجم نواة العلاقة الزوجية. أولى هذه الهجمات هي عدم التوازن العاطفي. يغرق المريض في دوامة من الخوف والألم وفقدان السيطرة على جسده وحياته، بينما يقف الشريك في الجانب الآخر، عاجزا، يحمل هما لا يقل ثقلا: كيف يدعم؟ كيف يساعد؟ وكيف يظل شريكا حانيا دون أن يتحول إلى مجرد “ممرض” أو “مساعد”؟ هنا يختفي دور “الحبيب” خلف عبء المسؤوليات، مما يهدد بتحويل العلاقة الغرامية إلى علاقة وظيفية بحتة.
تتفاقم المشكلة مع ضعف التواصل، حيث قد يسقط الطرفان في فخ الصمت “الوقائي “. يخفي المريض جزء من آلامه كي لا يثقل كاهل شريكه، ويخفي الشريك إرهاقه وتخوفاته بدافع الشعور بالذنب لأنه “ليس من حقه” الشكوى. النتيجة؟ جدار غير مرئي من العزلة العاطفية يبدأ بالارتفاع بينهما.
ولا يمكن إغفال الإرهاق الجسدي والنفسي لمقدم الرعاية، الذي يتحمل عبئا لوجستيا هائلا: مواعيد العلاج، إدارة الأدوية، تعديل النظام الغذائي، بالإضافة إلى مسؤوليات العمل والحياة الشخصية. هذا الإرهاق المستتر يستهلك طاقته العاطفية، فيصبح أقل قدرة على العطاء، مما يزيد من شعور المريض بالعبء.
في خضم هذا كله، تتأثر العلاقة الحميمة سلبا. قد تؤثر العلاجات على صورة الجسد والرغبة الجنسية، مما يؤدي إلى تجنب القرب الجسدي خوفا من الألم أو الإحراج. وهكذا، تضعف أقوى قنوات التواصل العاطفي بين الزوجين.
بناء جسور جديدة
لكن رغم قسوة هذه التحديات، يثبت العديد من الأزواج أن المرض يمكن أن يصبح محكا يقوي الرابطة بدلا من أن يهدمها. المفتاح، كما يوضح بنجلون، ليس في تجنب العاصفة، بل في كيفية الإبحار معا خلالها.
أول خطوة هي إعادة تعريف التواصل. ليس المطلوب تفجير المشاعر دفعة واحدة، بل خلق مساحات آمنة للصراحة اليومية البسيطة: “كيف تشعر اليوم؟”. الاستماع الفعال، حيث يشعر كل طرف أنه مفهم وليس محلل، هو جوهر العلاج.
ثانيا، الفصل بين دور الشريك ومقدم الرعاية. من الضروري تخصيص وقت للعلاقة بعيدا عن المرض. نزهة قصيرة، مشاهدة فيلم معا، أو حتى تناول وجبة خاصة دون الحديث عن العلاج. هذه “اللحظات الخالية من السرطان” تذكّر الطرفين بهويتهما كزوجين متحابين قبل كل شيء.
كما أن طلب الدعم الخارجي ليس ضعفا، بل قوة. انضمام مقدم الرعاية إلى مجموعات الدعم يمنحه مساحة للتنفيس عن إرهاقه دون شعور بالذنب. كما أن مشاركة المهام اللوجستية مع الأهل أو الأصدقاء تخفف العبء الجسدي وتحرر وقتا للزوجين ليكونا معا فقط.
والأهم من ذلك، الاعتناء بمقدم الرعاية. مقدم الرعاية المتعب والمنهك لن يكون شريكا داعما عاطفيا. ممارسة الرياضة، أخذ فترات راحة، والحفاظ على جانبه الاجتماعي هي ضرورات، وليست رفاهيات، لاستمرارية نظام الرعاية كله.
أخيرا، إعادة تعريف الحميمية. الحب لا يعني فقط العلاقة الجنسية. العناق، المسك بالأيدي، النظرات، والكلمات الرقيقة هي أشكال عميقة من القرب تعيد بناء الجسور. الحديث بصراحة عن التحديات الجنسية واستئناف النشاط تدريجيا دون ضغط يساعد في استعادة هذه المساحة الحيوية.
رحلة اختبار
النجاح في علاقة يعاني أحد أطرافها من مرض مزمن لا يُقاس بزوال المرض، بل بقدرة الزوجين على خلق حياة ذات جودة ضمن الظروف الجديدة. هو نجاح في الحفاظ على “نحن” في مواجهة محنة “الأنا”. هو قرار يومي بالتواصل، والتكيف، والحب غير المشروط.
كما يختم بنجلون: “يختبر المرض المزمن قدرة الزوجين على التحمل. قد يُضعف الرابطة، بل ويقويها أيضا، إذا تمكن كلا الشريكين من التواصل، والحفاظ على هويتهما كزوجين، ووافقا على طلب المساعدة.”
في النهاية، رحلة المرض المزمن مع الشريك هي رحلة إعادة اكتشاف لقوة لم تكن تعرفها، وصبر لم تختبره من قبل، وحب أعمق من كل ألم. إنها شهادة على أن البشر، عندما يتحدون، يمكنهم أن يجدوا النجاح حتى في أكثر الظروف إيلاما.