من وجهة نظر فاطمة كتاني، أخصائية في العلاج الأسري، أن الخلافات بين الزوجين تزداد وتحتد في رمضان. فما بين المادية والحميمية والسلوكية يبدأ «النكير» يسود على العلاقة الزوجية ويدفع بها إلى التوتر. إذ رغم، الطبيعة الروحانية لشهر الصيام، ومعرفة الجميع بأنه أيام للرحمة واللمة، إلا أنه يعري على هشاشة البعض تجاه ما تفرضه المناسبة من ضغط في الاتزامات، وعدم تجاوب أحد الأطرف مع الجو الرمضاني المتطلب في كل شيء. أكثر من ذلك ترى، الأخصائة النفسية فاطمة الكتاني، أن الأمر يصل إلى حد ظهور سلوكات غريبة عن طبع أحد الزوجين أو هما معا. «النكير، التكاسل، الاتكالية، النوم الطويل، أو السهر الطويل. واحدة من تلك الطباع التي قد تظهر فجأة، وقد تكون متعمدة أحيانا. السبب لا يمكن تعليقه، من وجهة نظر الأخصائية، بالصوم الذي يفترض الكثير من السكينة والهدوء والعودة إلى الروح والذات، بل باستعداد نفسي للتجاوب مع أي مثير خارجي يكسر الطبيعة السلمية لشهر يوصف في التعبير المتداول بين الناس، شهر الرحمة.
السلوك على المحك
لا يربط بين الطبيعة الصدامية للأشخاص خلال رمضان وبين جنسهم: امرأة رجل. بل يعتبره سلوكا بعيدا عن هذا التصنيف الجنساني الذي يجعله لصيقا بالرجل أو المرأة. موقف الأستاذ عبد الكريم بلحاج يوضح أنه: قد يكون طبع ميزاجي يرتبط بشخص له عصبية تجد مساحة للخروج خلال الصوم. وطبعا فهو ليس بسلوك سوي. كما أنه ليس بسلوك مرضي حتى يمكن تبرير دوافعه وتداعياته. بل وادعاء معاناة أصحابه. لكن الأكيد أن السلوك تنتج عنه تصادمات ظرفية من الممكن أن تجد تقديرا وتفهما من الزوجين. هذا التقدير يتوقف على نوعية العلاقة الزوجية وقوتها. وكلما كانت العلاقة هشة أو في بدايتها يطرح صعوبة تقبل الحالة من أحد الزوجين. من هذا المنطلق، يوضح الأخصائي، أن ظروف الحياة اليومية، خلال رمضان، تؤثر على التفاعل بين بعض الأزواج المياليين إلى النكير بوجود سبب أو بانعدامه.
لا تكافؤ في الكلفة
«يصير ميزاجي في قمة العصبية بسبب ضغط العمل والانقطاع عن العادات اليومية. والحصيلة عدم الشعور بالرضا والتجاوب مع محيطي القريب. أكثر من ذلك ألاحظ، بعد فوات الأوان، أني أشبه دجاجة في نقيقها.» النكير» مسترسل ويوجعني في رأسي قبل أن يتأثر به ميزاج زوجي». تقول إيمان التي، تجد في الاحتكاك اليومي بزوجها المتقاعد وقودا سريعا لأثارة عصبيتها وسلوكها بمجرد ما تفتح باب البيت، تجده نائما أو غرقا في أفلام الموسم الرمضاني. الأمر بالنسبة لها عدم تكافؤ في الأدوار، واتكالية مطلقة عليها في إعداد مائدة الفطور.
المثير والاستجابة
«مقطوع»، لازمة الأزواج لتبرير حوادثهم السلوكية خلال رمضان. الانقطاع عن العادة مفسدة للجو العام يقول أحمد، الذي غادرت زوجته البيت مرتين خلال رمضان. والسؤال عن السبب لقي الجواب منه: عصبيتي الزائدة بسبب إدماني على السجائر.
«النكير» في سلوكهم اليومي، مع أول يوم في رمضان، إذ تقدم مواقف من الواقع ما يفيد أن حالة التوتر والغليان المتبوعة بالنق تصبح صورة الشارع لأتفه الأسباب، ذات الحالة تعيش عليها الكثير من الزيجات داخل بيت الزوجية، حيث واقع حالها يقدم الوجه الآخر للزوج النقاق والزوجة النقاقة، حالة ليست وليدة طباع فقط، بقدر ما هي أيضا استجابة لمثيرات على قدر من الاستفزاز العاصف بحدود الهدوء وضبط النفس، مرية 46 سنة تحكي بنبرة من صار استقبال شهر الصيام بالنسبة لها موعدا مع «لغنان» أي العناد، وضعية تصفها بالكاريكاتورية كلما تذكرت مشاهد من «النكير» التي تستمر إلى حين أذان المغرب، «في البداية كنت أنفعل مع كل كلمة أو حركة أشم فيها رائحة النكير، ومع مرور الوقت صرت أتفهم أنها حالة نفسية ظرفية بالنظر إلى منسوبها الزائد مع الصيام، لكنها صارت طبعا وتطبعا كلما وجد تجاوبا مع «نقيقه»، أذكر أنه كان يبحث عن أي سبب «النكير» حتى ولو كان : علاش خليتي لحليب يفيض بزاف، الماكلة بلا ما من قلت لفهاما، كون غير درتي البغرير حسن من …، بقات ليك ربع ساعة للمغرب ضربي حسابك مزيان باش ما تعطليش …سلوكات يومية كانت تصيبني بالارتباك كلما تسمر في زاوية الصالون مقابلا المطبخ ليبدأ في سهام تصيب نفسيتي بانفعال يجعلني أتجاوب معه بنفس «خو كلامو»، لكن مع مرور الوقت صرت أتفهم الحالة: مقطوع.
العناد وقود
كما الشوارع العامة، التي تفقد فيها أعصاب البعض حدود سلميتها، تفقد المؤسسة الزوجية ذات السلمية. إذ بينها وبينه جولات من شد ليا نقطع لك كما يقال في العامية. وعندما يصير «النكير» سلوكا مرضيا يتجاوز حدود اللياقة وأدب التواصل مع الآخر يعصف بالتوافق والهدوء وسلمية وحتى الرحمة الملتصقة بالشهر الكريم. وأكبر أشكال عصف السلوك بأمان العلاقة الزوجية مغادرة البيت، وهي النتيجة التي أكدتها نساء كثيرات حسب خلاصة لعضوة بالجمعية الدمقراطية لنساء المغرب.معطى تؤكده الكثيرات، ويرجعنه إلى الترتيبات المبالغ فيها لمائدة الإفطار، والإتكالية المتبوعة بنقير الأزواج.
نكار أو مغنان
في ثقافة الأولين يقترب المثل العامي : «لمغنان قتلوا لا تعاندو من سلوك «النكار»، ومن وجهة نظر المشتغلين في الحقل النفسي يحيل النقير على خاصية بميزة جد إيجابية وهي الإلحاح، إذ التعبير الفصيح الصحيح للنقار يحيل على المبتز في تقدير البعض ، والملحاح بالنسبة لآخرين. لكن عندما يصبح «النكير» سلوكا مرضيا يخرج عن حدود اللياقة وأدب التواصل مع الآخر ينتزع من إيقاع اليومي داخل الحياة الزوجية مؤشرات التوافق والهدوء، مقابل توطين التوتر واللا تجاوب في نسيج العلاقة.
يتعرى السلوك من أقنعته عندما تصاب الحياة بين الأزواج بضغوط تغير مجرى الإيقاع العادي. في رمضان كل «واحد كلغي بلغاه». الصورة العامة تعكس اختبارا حاسما لمدى توافق وانسجام أطراف مؤسسة الزواج.