تسميهم الدكتورة خلود السباعي «العزاب الجغرافيين» Les célibataires géographiques.
تدخل الجغرافيا في التسمية لتحدد زواج يغيب عنه شرط الزواج الصحيح، كما حدده القانون، وهو المساكنة. جغرافية الزوجة ليست هي جغرافية الزوج، وحميميتهما مؤجلة، وكل شيء في الزواج يدبر بوقت سابق، واستثمار وسائل التكنلوجية الحديثة بديل
للتعويض عن الاشتياق.لا تعتبر، خلود السباعي أخصائية علم النفس الاجتماعي، «بعد الأزواج عن بعضهم وضعا شاذا، بل حالات خاصة تحكمت فيها ظروف ولا يمكن الحكم عليها بالفشل.» هذا لا يمنع من السؤال عن اللحمة العاطفية. «سميرة» واحدة من هؤلاء، فقد ظلت تحمل صفة «المدام» لسنوات في غياب زوجها : «بيني وبينه مسافة طويلة. عينت بمستشفى «فكيك» وزوجي يقيم بمدينة سطات حيث يشتغل. لا فرع لمؤسسته بمدينة إقامتي. تزوجنا دون تفكير في البعد، لكن نظام العمل كان أقوى. غيابه عن البيت يصل إلى ثلاثة أشهر. كنت آمل أن يجمعنا سقف واحد، إنه أساس ولحمة العلاقة. هذا الوضع أفقد زواجنا تمرين اليومي. سلبية هذا الزواج لا يلغي مقاومته للملل، وبنظري، المسافة لا تقتل الحب الحقيقي، هناك تجارب نجحت ولو كان أحد طرفيها مهاجرا أو سجينا» تقول سميرة 30 سنة.
البعد ليس حاجزا أمام استمرار الزواج. الكلام لأخصائية علم النفس الاجتماعي «خلود السباعي» التي تصر على أهمية الوقت الذي يقضيه الزوجان معا، معتبرة أن التواصل الفيزيولوجي قد يكون قليلا، لكن، مع ذلك، يحقق دفء العلاقة باستثمار زمن الالتقاء جيدا. وتوضح الأخصائية، أن تحقيق الرضى عن العلاقة يتطلب تعامل الزوجان مع الوضع على أنه مؤقت، ففكرة الديمومة تؤثر سلبا على الزواج. بذل مجهود في التواصل مطلوب في زواج ينقصه القرب والتفاعل المباشر. زهرة، صحافية متزوجة من مصري تقول: «حياتنا شبيهة بزيارات موسمية بيني وبينه. السفر إضافة لزواجنا في الوقت الحالي، لكن لا أرغب في أن نستمر هكذا».
يلتقون نهاية الأسبوع تحت سقف الزوجية، ظاهرة موجودة في المجتمع ليس اختيارا، إنما لوجود حاجز. بعيدا عن إكراهات هذا الوضع. ترى الدكتورة خلود السباعي أن زيجاته لا تعاني من الروتين الذي يقتل علاقات العادية، ففي نهاية الأسبوع يلتقي الأزواج بشغف لبعضهم البعض، ولهم من الجديد ما يجدد نفس العلاقة التي يضعفها الملل. وقد اعتبرت «السباعي»، أن هذا النوع من الزواج يناسب من جمع بينهم الحب لا العشرة فقط.
السكايب للتواصل الزوجي
للتكنلوجيا الحديثة دور كبير في التقليص من مشاكل البعد. إذ اختصرت المسافات بالضغط على تطبيقات تجعل البعيد أقرب من عظمة الكتف. اللقاءات عبر الأسلاك في محدثات أشبه بتجمع عائلي، تلين من صعوبات التكيف مع زواج «نص نص». «كنا نلتقي عبر السكايب أو الواتساب دون انقطاع. هذا الأمر يحتاج إلى مجهود واستعداد لم نكن مستعدين له. لكن بانتقاله شمال المغرب، عوضتنا وسائل التواصل الحديث عن خسارات كثيرة بسبب الشك» تقول نورة.
يؤكد الأخصائيون الاجتماعيون على أن الزواج عن بعد يحتاج التحكم في مشاعر الشك، وأن ذلك يتوقف على الذكاء العاطفي، حسب الدكتورة خلود السباعي، والذكاء العاطفي يعني القدرة على الفهم الحقيقي لمشاعر الآخر.
رأي الأخصائية
خلود السباعي
أخصائية علم النفس الاجتماعي
هل يؤثر البعد بين أزواج لا يعيشون تحت سقف واحد على مشاعر الحب؟
من الخطأ الحكم على أن بعد الأزواج عن بعضهم يؤثر سلبا على جودة العلاقة وفي قيمة الحب الذي يجمع الطرفين، البعد ليس مشكلا في هذا النوع من الزيجات. المهم هو كيفية الحفاظ على هذه العلاقة التي أعتبرها خاصة وليست شاذة، والحفاظ عليها متوقف على الطرفين بالدرجة الأولى، كون توترها أو نجاحها او فشلها هو نتيجة لتصرف الزوجين، هذا يؤكد أن المعطى الفيزيولوجي ليس دليلا على نجاح الزواج، ذلك أن الكثير من الزيجات التي تعيش عن قرب يحدث التنافر فيما بينها. صحيح أن الزيجات البعيدة تعاني نقصا في العلاقة الحميمية التي تساعد على استمرار الحب بين المتزوجين. كما أن الدعم النفسي اليومي يغيب إلى حد سيطرة الإحساس بالوحدة، وهي حالة لها انعكاسات نفسية اجتماعية وصحية. لذلك ينبغي التفكير الدائم بأن البعد هو مؤقت.
هل من إيجابيات لزواج ينقصه الاحتكاك اليومي؟
غياب الملل والروتين الذي يقتل العلاقات هو أهم شيء في هذا النوع من الزواج، إذ تتجدد أنفاس العلاقة مع كل لقاء، في ذات الآن، إيقاعه يعزز الشعور بالاستقلالية، ذلك أن التفكير في الانفصال المجالي يؤدي إلى التعود على تدبير الاحتياجات الخاصة أو المنفردة المتعلقة بالحياة اليومية من طبخ وغيره. فقط أنصح بأن يتم الاستعداد للقاء بشكل مبرمج ومنظم حتى لا تضيع شحنة العواطف التي يحتاجها زوجان يعيشان ما يشبه الانفصال الاضطراري.