استهوتني الفكرة بغض النظر عن حبي للعبة، ربما بسبب حسي النسائي المبكر، وزيادة منسوب تمرد جنيني على كل ما هو حصري على الذكور. أتذكر كيف أني مررت «انحرافي» الكروي بسلام، بعدما جعلته ضمن اهتمامات أخرى. كان تفوقي الدراسي صك معبرها، وهو يضفي على شغبي الناعم حالة من الثقة والتشجيع الدائم. بدأت المغامرة غير بعيد عما كتبه عزيز بلبودالي صاحب كتاب «نساء من ذهب»، المؤلف الوحيد على حد علمي، الذي يؤرخ لتاريخ كرة القدم النسوية ببلادنا. فعلى رأيه « بدأت الفتيات بملامسة الكرة إما من داخل المؤسسات التعليمية، وإما في دور الشباب، إلى أن تطوع رجال عاشقون لكرة القدم من أجل تشكيل فرق تابعة لدور الشباب أو لبعض الأحياء والإقامات السكنية». لقد اعتبر، هذا الموثق لتاريخ كرة القدم النسائية بالمغرب، أن ولوج المرأة المغربية لميدان كرة القدم، في بدايات تاريخ الكرة النسوية بالمغرب، كان باحتشام وخجل، وظل حضورها غير بارز.
أتذكر كيف عرض علينا المدرب الذي كان يشرف على حصة الرياضة بدار الشباب، فكرة إدخال كرة القدم ضمن برنامجنا الرياضي. بدت الفكرة غريبة في البداية، لكن المدرب وكان اسمه «سعيد» إلى جانب مساعده «إسماعيل»، استطاع إقناعنا، نحن مجموعة من الفتيات بالفكرة. وقبلها كان مساعده له دور أكبر في إقناع أسرتي بالسماح لي بحضور التداريب على «مسؤوليته..»، بحكم معرفتنا به. هكذا تم استقطابنا لنخوض غمار تجربة وتحدي كبيرين، فتح أعيني على نوعية مختلفة من بنات جنسي. كانت أغلبهن تعتبر التشبه بالذكور في السلوك والشكل والصرامة في اللعب معبرهن الوحيد في فرض وجودهن في عالم المستديرة. بالنسبة إلي، كنت لاعبة مجدة تحرص على أن تنفذ ما يطلب منها. كنت ظهيرا أيمن، مطلوب مني قطع الكرات على الخصم من الجهة المكلفة بحمايتها، ولا بأس من مد الكرات لتعزيز خط الهجوم.
لم تقف المسألة عند التداريب، بل سرعان ما تطورت الأمور، وأصبح لدينا فريق يحمل اسم «النجم الأحمر». إن اختيار الاسم، لم يكن اعتباطا، فمدربنا ومساعده كانا من محبي فريق الوداد البيضاوي. وكانا يحلمان في أن يحتضننا الفريق الأحمر يوما ما، ونصبح فريقه النسوي بامتياز، لم يتحقق الحلم، لكن على الأقل كان السبب في جعلي عاشقة «لوداد الأمة» إلى اليوم، رغم فشلي في نقل هذا الحب لأبنائي «الرجاويين».
شاركنا فريقا في مباريات ضد فرق أخرى تابعة إما لفرق كبرى في الأغلب على مستوى مدينة الدارالبيضاء، أو مدن أخرى مجاورة كالمحمدية والجديدة. توجت في النهاية بلعب فريقنا لمباراة الافتتاح في إحدى لقاءات البطولة الوطنية بمركب محمد الخامس. بعدها توقف مشواري الكروي بسرعة بسبب زحمة الطموحات والاهتمامات، ومغامراتي المتواصلة في البحث عن إرضاء الذات.. في مجالات أخرى، كانت أسئلتها أكبر يجترها الراهن بكل ثقل ومسؤولية.
ما من شك أن بنات جيلي وقبله وحتى بعده من الأجيال الموالية، واجهن مشاكل عديدة في ولوج ميدان كرة القدم، أولا ارتباطا بالعادات والتقاليد والأعراف التي كانت تسقط حق المرأة في ممارسة الرياضة بشكل عام، فبالأحرى كرة القدم التي كانت مجالا ذكوريا بامتياز حتى الأمس القريب، كما أكد المؤلف عينه.
عانت كرة القدم النسوية من التهميش، وغياب الاهتمام من لدن القيمين على تدبير الشأن الرياضي، وظل الخصاص المالي أحد أبرز تجليات تلك المعاناة. إلى أن نجحت الجامعة الملكية لكرة القدم في إيجاد حلول لعدة مشاكل ظلت تحول دون نهضة كرة الإناث في بلدنا. ولعل النتائج التي حققها منتخبنا الوطني النسوي والتي توجت بتأهله لكأس العالم للسيدات، من شأنها أن تغير العديد من الصور النمطية المرتبطة بكرة القدم النسائية، وتقطع الطريق أمام العديد من السلوكات والتمييزات الجندرية التي تعاني منها المرأة في مجال الرياضة خاصة، وبقية مجالات الحياة عامة. لن يتبقى معها سوى «نديرو النية»، فهذه اللبؤة «الفتوبوليرا « كما يقال في الليغا الاسبانية النسوية لكرة القدم ، لا ريب، هي من ذلك الأسد. فهل يكون هذا الزحف النسائي الثابت إلى قلب مجال رجالي من بابه العمومي الواسع، كفيل بتأمين واعد للولوجية النسائية المشروعة إلى عوالم عمومية أخرى بذات الحظ؟.