ما من شك في أن قانون الأسرة الذي حظي بإجماع على ضرورة مراجعته وتعديله من مختلف مكونات المجتمع المدني والحقوقي، تشوبه ثغرات عدة، تستدعي ضرورة تجاوز الاختلالات التي كشفت عنها التجربة، ومراجعة بنود تم الانحراف عن أهدافها، سيما وأن الإصلاحات السابقة التي عرفها هذا القانون، لم يتم تجسيدها بشكل منصف على أرض الواقع. وكان جلالة الملك محمد السادس قد دعا إلى إصلاح هذا القانون في أكثر من مناسبة.
فالمدونة الحالية، أظهرت عدة اختلالات على مستوى الممارسة، وخصوصا بعد دستور 2011، وكل التحديثات التي جاء بها، ظلت دون بلوغ مطالب المراجعة الشافية، وهو ما كان يستدعي تفعيلا لتعديل نوعي لمدونة الأسرة، لجعلها ملائمة لروح الدستور الذي يدعو إلى المساواة ومناهضة التمييز.
ثمة إجماع من كل هذه المكونات السالفة، بضرورة «إعادة النظر» في فلسفة هذا القانون المنظم لمؤسسة الأسرة، عبر تعديل مبني على قيم التحديث والالتزامات الدستورية للبلاد، مع إزالة عدد من المفاهيم «القديمة» التي لم تعد تستوعب ظروفا وسياقات مستجدة، إذ ينبغي التأكيد على أن مدونة الأسرة ليست وحدها التي تستدعي التعديل والتغيير؛ بل إن هناك عددا من النصوص القانونية برأي العديد من الحقوقيين والممثلين لجهاز القضاء، تتطلب بدورها التعديل مثل القانون الجنائي، والمدني، وقانون الكفالة، وقانون الحالة المدنية، وقانون الجنسية. فهذه القوانين كلها بحاجة الى تعديلات وإصلاح؛ لأن المجتمع يتطور ويتغير، ومجتمعنا اليوم ليس هو نفس مجتمع عشرين عاما مضى من تاريخ الشروع في تطبيق مدونة الأسرة الحالية. إن المغرب، إذن، يجب أن يتجه نحو الحل الديمقراطي في تطبيق مدونة الأسرة، يضمن العدل والإنصاف لجميع أفراد الأسرة، خاصة وأن بعض الآراء الفقهية أصبحت متجاوزة ولا بد من الاجتهاد لإيجاد حلول ملائمة لعصرنا وواقعنا، من خلال خلق نقاش بناء أولا بين القيم الدينية والكونية، لأنها كلها قيم إنسانية لا تنكرها الأديان، وبالتالي وجب مراجعة المفاهيم التقليدية التي أصبحت متجاوزة بالمدونة دون أن تفسد الود بين الطرفين. ويتعين أن تكون آلياتها مقاربة مجتمعية، تستحضر بكل واقعية المشاكل بأبعادها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. وتكون غاياتها، نشر الوعي وتبديد الفوارق المعرفية، وتوضيح الفصول القانونية وتبسيط الظواهر الاجتماعية، والاهتمام بالتفاصيل الاجتماعية لبناء أسر سليمة.
إن مدونة الأسرة لن تكون خاصة بالمرأة فقط، بل ستعمل على الحفاظ على حقوق مكونات الأسرة، يعني المرأة والرجل والأطفال بما يتماشى مع التغييرات المجتمعية الحالية.. وهذا ما تؤكده معظم دساتير البلدان العربية، التي تشير معظم الدراسات بشأنها، أن غالبيتها تتحدث عن الحقوق المتساوية للنوع الاجتماعي من الرجال والنساء وعلى المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كافة، ولكن ثقل المرجعية الاجتماعية والثقافية يقف حائلا دون الاستفادة العملية من التشريعات، فهي تحول دون التنفيذ بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأخيرا وليس آخرا ، يجب استحضار النقاش المصاحب لهذا الورش على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي. وهو نقاش يفضح كل الصور النمطية المحيطة بهذا الموضوع، ورغم أن فضيحتها يصعب التحكم فيها أو على الأقل تأطيرها، لأنها وليدة الرأي والانفعال، و تصد الباب أمام بروز نقاش فكري بناء وتشوش عليه، من خلال خلق نماذج «فرجوية»، تمعن الشبكات الاجتماعية، في عرضها بسخاء على العين، وتجلي حربا قائمة بين الناس ضد بعضهم البعض. حرب الواحد ضد الواحد، يتحول مع الممارسة إلى عنف مضاد، يمنعنا أن نكون كائنات إنسانية، مصدره من دون شك، ثقافة ذكورية مبطنة، تصبح معها الثقافة حربا. حرب بين الناس لا رحمة فيها، ومجهولة الأطراف. لا نعرف أبدا من نواجه، نسير معها مقنعين في حلبة العالم، حتى وإن اختُصرت هذه الحلبة في شاشة حاسوب، أو في سمارت فون’ فهو لن يستطيع أبدا، وهو محكوم بالازدواجية’ معرفة من هو ذاك أو تلك بالضبط.