ورش كبير ذلك الذي أعلنت عنه الحكومة الحالية عبر القطاعات الوصية على منظومة التربية والتعليم ببلدنا. كثيرة هي الملفات الخاصة بالإجراءات والمتغيرات الجديدة التي ستعرف طريقها نحو حيز التنفيذ مع بداية الموسم الدراسي الحالي بمختلف مستوياته. فبعد أن اقترن القطاع لسنوات بخطاب الأزمة، يتم اليوم اعتماد قانون إطار، وخارطة طريق محددة الأهداف في الزمن. وذلك من أجل مدرسة جديدة بمفهوم وطموح وطني، يرتكز على الإصلاح وعلى الاستمرارية، وعلى تأمين بيئة تعليمية ومجتمعية. كما يتناول ذلك وبشكل مفصل ملف هذا العدد. ما من شك أن المنظومة التعليمية معقدة، مثقلة بتراكمات وفجوات الماضي، يصعب حلها بعصا سحرية، ما لم نتسلح ببنية علمية ومعرفية صلبة، منبعها التعليم الأساسي قبل الجامعي، خاصة في ظل عالم سريع متطور يجره الذكاء الاصطناعي يوما عن يوم نحو الأبعد…
جميل أن يجعل ورش «إصلاح الإصلاح»، من قضية اللغة سواء أكانت الأصلية أم الأجنبية في صلب الإجراءات الاستعجالية التي ستعمل على تفعيل تدريس اللغة الأمازيغية، وإثراء مقررات التعليم المدرسية بمختلف المكونات الثقافية المرتبطة بها. و في المقابل، يتم ترسيخ أسس تثبيت اللغة الإنجليزية لغة ثانية مكان اللغة الفرنسية، تحدي جديد يحتاج متطلبات لوجيستيكية، قبل أي استعدادات اختيارية أو ثقافية. لم ينس القانون الإطار الخاص بتفعيل مقتضيات الإصلاح في أفق تجويد المدرسة العمومية وتجاوز أزمة الثقة الموجودة بينها وبين المواطن، أن يجعل من قضية المساواة بين الجنسين ودعم تمدرس الفتاة القروية، إحدى مقومات مشروعه الإصلاحي، وهما الورشان اللذان يحتاجان إلى الكثير من التفعيل، على الرغم من تراجع الفجوة بين الجنسين في مجال المؤشرات المتعلقة بالتمدرس والتحسيس بالمساواة، على اعتبار أن مشروع مدرسة المساواة يلتقي مع شعار المدرسة الجديدة الذي رفعه الإطار القانون للتربية والتكوين، ومع وجود برامج وبنيات تم ترسيخها من أجل دعم تمدرس الفتاة بالعالم القروي.
لكن هل هذا يكفي؟، أكيد لا. ونحن لازلنا نعيش على وقع العديد من الحوادث و الظواهر المجتمعية التي عرت معاقل الثقافة الذكورية، بتداعياتها التمييزية والجنسية، كشفت عنها فعاليات كأس العالم لكرة القدم للسيدات، بداية من حملة التنمر التي تعرضت لها العديد من اللاعبات في المنتخب الوطني، ونهاية «بالقبلة المغتصبة» لرئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم لويس روبياليس، مرورا بطريقة التعاطي مع إنجازات الفرق المشاركة. إذ لم تشهد إسبانيا أي احتفالات، يمكن مقارنتها من قريب أو من بعيد، باحتفالات عام 2010، عندما فاز منتخب الرجال بكأس العالم. كما لم يثر الإنجاز، الذي حققه المنتخب الوطني للسيدات، بوصوله إلى الدور الثاني من البطولة، كثيراً من الانتباه، على خلاف إنجاز منتخب الرجال في كأس العالم الأخير، فضلاً عن مئات التعليقات المسيئة، حول اللاعبات وأشكالهن وأخلاقهن، التي امتلأت بها مواقع التواصل الاجتماعي.
لا يجب كذلك نسيان ما أصبح يعرف بحادثة «ببيدوفيل شاطئ الجديدة»، فقد سائلتنا جميعا حول وضع التربية الجنسية ضمن هذا الورش الإصلاحي الكبير، وقبله في كل سلوكاتنا اليومية داخل وخارج بيوتنا، كيف تنبع منها، في غفلة منا، أفعال مشينة؟ أين تختبئ؟ في عقولنا بالطبع، هذه السلوكات هي نحن، هي أهلنا الذين يتعاملون بها، وحتى الذين يشاهدونها أو يقرئون عنها عن بعد، كأحداث لم نعشها، ولم نشارك فيها، ولو بشكل عابر، إنها في الحياة، في الشارع، في العمل وفي البيت والمدرسة والجامعة. هذه السلوكات هي تلخيص لحقبة البؤس الإنساني الذي نعيشه، والتي وحدها منظومتنا التربوية بمختلف مكوناتها الأسرية وبنياتها التعليمية والمجتمعية، من بإمكانها وضع اليد فيها على الداء والدواء. نعم كل فرد يمثِّل نفسه، لكن الإنسان مخلوق من الطينة نفسها.