حيث يتحول معظم الصائمين خلال الشهر الفضيل إلى كائنات خارقة في كل شيء، مستهلكة إلى حد التطرف في التسوق والأكل لملء البطون بأطباق فرضتها العادات والتقاليد، أكثر من وجود حاجة إليها لسد رمق جوع مشروع.
إن العديد من الدراسات التي همت جوانب من نمط العيش داخل المجتمع المغربي، وقفت على خصوصيتنا مجتمعا في تقديس كل ما هو ثقافي خاصة في علاقته بما هو ديني، وتوصلت الى حقيقة أنه في غالب الأحيان، تكون هناك عادات دخيلة وأخرى مناقضة لمقاصد الشرع وحتى المنطق، تفتح الباب على مصراعيه لتجلي هذا الاتساع لرقعة منسوب “الشيزوفىينيا” في تدبير تداعيات هذا التداخل السوسيو ثقافي والديني. وبينما لا أكاد أتمم ما حاولت بدايته في تقريبكم من السياق المضموني لهذا العدد، بنقل المزاج الرمضاني المغربي في بعض عوالمه إليكم، حتى وجدتني أمام خبر نزل كالصاعقة علينا، وأذهلنا إعلاما و نساء ورأيا عاما كذلك. فقد فاجأنا قرار المحكمة التي نظرت في قضية اغتصاب أشخاص ثلاثة، لطفلة لا يتجاوز عمرها إحدى عشر سنة.
مصدر الذهول في القضية هو الحكم على المغتصبين بمدة عقاب لا تتوافق مع طبيعة ” الجريمة” ، إذ لم تتجاوزالعقوبة سنتين سجنا. فقد تعرضت فيها الضحية، وهي طفلة، إلى جريمة اغتصاب متكرر تحت التهديد، بدوار الغزاونة ضواحي إقليم تفيلت، لم تعلم بها العائلة إلا بعد حدوث الحمل.
وعلى الرغم من تأكيد الخبرة الطبية للعلاقة البيولوجية القائمة بين الجنين وأحد المغتصبين، إلا أن الحكم كان ظالما في حق الضحية والحق العام. فأي حكم هذا؟ ذات الاستهجان والاستغراب، ظهر بتدوينة على صفحة المفكرة والباحثة أسماء لمرابط بالفايسبوك، متسائلة: “أين هي حماية الأطفال؟ وأين هي كرامتهم؟”، كارثة بكل المقاييس.. جريمة ضد طفلة قد ماتت مرتين، مرة لما اغتصبت والمرة الثانية لما صدر هذا الحكم الظالم”.
بدوري أعيد طرح السؤال الاستنكاري عينه: بأي حق اغتصبت مرتين؟ وبأي ذنب يتم النيل من طفولتها وجسدها؟ ألسنا أمام منسوب عال من الشيزوفرينيا تفضح طريقة تعاملنا مع العديد من القضايا على المستوين النظري والتطبيقي. و بعبارة أخرى، كيف نكون أول المصادقين على مواثيق حماية حقوق الطفل ونخصص له بنودا ومساطير قانونية، و مراصد لحماية حقوقه، ثم نضرب عرض الحائط كل ذلك على أرض الواقع؟ كيف نسعى في ضمان المواطنة الكاملة للنساء ونحن لا نحفظ لهن كرامتهن بالقوانين التي أقرها الدستور و التي من المفروض أن تكفلها القوانين والمؤسسات الممثلة لها؟ هو نفسه المجتمع الذي يتعرض أطفاله لجرائم الاغتصاب، والذي أصدرت إحدى محاكمه “حكما مخففا جدا “كما عبر عنه حقوقيون ونشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي، وهو المجتمع الذي ندد بهذا الحكم أيضا، وهو الذي لطالما طالبت الحركات الحقوقية والنسائية داخله، بإصدار وتطبيق قوانين تضمن العدالة الجنائية للنساء، بل وللطفلات كما في هذه الحالة. كما تضمن لهن الحقوق والحريات والسلامة الجسدية والأمن القانوني والقضائي أيضا. لذلك، لم تفوت العديد من الجمعيات الحقوقية الفرصة مرة أخرى، بعد هذه الواقعة، كما لم تمنعها ظروف رمضان العامة، من التنبيه والتنديد بهذا الحكم، من بينها جمعية “جسور ملتقى النساء المغربيات” من خلال بلاغ صحفي توصلت مجلة “نساء من المغرب” بنسخة منه، وفيه طالبت، الجهات القضائية بالتحرك الفوري والعاجل لفتح تحقيق نزيه يضمن حقوق هذه الطفلة البريئة، مع تشديد العقوبات، وترتيب الجزاءات والآثار القانونية اللازمة عن هذا الفعل الإجرامي الشنيع.. كما ناشدت الجهة المختصة من تمكين الطفلة الضحية من حقها في المتابعة الصحية والنفسية، لرفع آثار العنف الجنسي الذي طالها وهي في عمر الزهور.. لم يفت بلاغ الجمعية مطالبة الجهات الرسمية، بإعداد استراتيجية عمل فعلية وجادة رفقة الفاعلين والمختصين للحد من هذه الظاهرة التي باتت تهدد أطفالنا، وتضعنا في مقدمة البلدان التي تتسامح مع جرائم الاغتصاب.