مصادفات دالة

تشاء المصادفات أن تحل ذكرى ميلاد المجلة مع مطلع شهر أبريل، حيث نطفئ معها شمعتها الرابعة والعشرين. هذه المناسبة تتزامن هذه السنة وإنهاء لجنة تعديل مدونة الأسرة أشغالها، داخل الآجال التي حددتها رسالة الملك أمير المؤمنين إلى رئيس الحكومة شهر شتنبر 2023، رغم توترات طبعت سياق اشتغالها.

تشاء المصادفات أن تحل ذكرى ميلاد المجلة مع مطلع شهر أبريل، حيث نطفئ معها شمعتها الرابعة والعشرين. هذه المناسبة تتزامن هذه السنة وإنهاء لجنة تعديل مدونة الأسرة أشغالها، داخل الآجال التي حددتها رسالة الملك أمير المؤمنين إلى رئيس الحكومة شهر شتنبر 2023، رغم توترات طبعت سياق اشتغالها. أما وجه المصادفة الأول فيعود بالضبط إلى سنة انطلاق المجلة في العام 2000 ، وهي السنة التي عرفت حراكا مجتمعيا، أشعل فتيله، مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، والسنة التي سيترتب عنها، بعد تدخل المؤسسة الملكية التي تبنت هذا الحراك، إحداث أول لجنة مكونة من فعاليات مختلفة لمراجعة مدونة الأسرة. كانت تلك اللجنة بداية الغيث لأوراش ونضالات نسائية أخرى، واكبتها المجلة بكل التزام ومهنية، على مدى سنوات حضورها في المشهد الإعلامي. 

وعودة إلى موضوع مشروع تعديل قانون الأسرة الأخير، لم يسلم الحدث من نقاش مجتمعي كبير، اشتدت خلاله، وكما جرت العادة في مثل هاته القضايا، حرب كلامية، بين التيارين الحداثي والإسلامي، بإطلاق اتهامات، وبممارسة ضغط أكبر كي تميل كفة أحدهما، بعدما تكون سلمت الهيأة المكلفة من قبل الملك، نسخة مقترحاتها إلى رئيس الحكومة، الذي سيرفعها بدوره إلى الملك محمد السادس أمير المؤمنين، للنظر فيها ومراجعة ما يراه مناسبا للأسرة المغربية. ورغم أن مبادرة التعديل قد جاءت من أمير المؤمنين، فإن المسطرة التي أعلن عنها بلاغ الديوان الملكي تجعل التعديل عملا مشتركا بين إمارة المؤمنين والمؤسسات الدستورية المختصة بالتشريع. وتُعرض التعديلات على موافقة جلالته، ثم تحال على الحكومة لإعداد مشروع قانون يخضع لتصويت البرلمان. 

ما من شك أن ثمة إجماع، مع كل هذه المكونات السالفة، على وجود حاجة إلى تعديل مبني على قيم الحداثة والالتزامات الدستورية للبلاد، مع إزالة عدد من المفاهيم «القديمة»، إذ ينبغي التأكيد على أن مدونة الأسرة ليست وحدها التي تستدعي التعديل والتغيير؛ بل إن هناك عددا من النصوص القانونية، تتطلب بدورها التعديل مثل القانون الجنائي، والمدني، وقانون الكفالة، وقانون الحالة المدنية، وقانون الجنسية. هذه القوانين كلها، هي بحاجة الى تعديلات وإصلاح، لأن المجتمع يتطور ويتغير، ويلزمها استعداد فكري يستهدف العقليات قبل الدساتير. كما يلزمها شعب مؤهل بتعليمه، محصن بقيم المواطنة الحقة، التي تحترم اختلافاتنا، سواء أكانت جنسية كانت أم عرقية. فالمغرب يجب أن يتجه نحو الحل الديمقراطي في تطبيق مدونة الأسرة، يضمن العدل والإنصاف لجميع أفراد الأسرة، خاصة وأن بعض الآراء الفقهية أصبحت متجاوزة، وبالتالي وجب مراجعة المفاهيم التقليدية التي أصبحت متجاوزة بالمدونة دون أن تفسد الود بين الطرفين. ويتعين أن يكون آليات ذلك ، بالطبع، مقاربة مجتمعية تستحضر، بكل واقعية، المشاكل بأبعادها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. وأن تكون غاياتها، نشر الوعي، وتبديد الفوارق المعرفية، وتوضيح الفصول القانونية، وتبسيط الظواهر الاجتماعية، والاهتمام بالتفاصيل الاجتماعية لبناء أسر سليمة. فمدونة الأسرة لن تكون خاصة بالمرأة فقط، بل ستعمل على الحفاظ على حقوق مكونات الأسرة، يعني المرأة والرجل والأطفال جميعا، بما يتماشى مع التغييرات المجتمعية الحالية.. وهذا ما تؤكده معظم الدساتير التي تتحدث من حيث المبدأ عن الحقوق المتساوية للنوع الاجتماعي بين النساء والرجال على مختلف المستويات ، غير أن ثقل المرجعية الاجتماعية والثقافية، يقف حائلا دون الاستفادة العملية من التشريعات، في مناسبات كثيرة.

وبما أن الدستور هو القاسم المشترك، وهو العقد الاجتماعي الذي يربطنا جميعا نحن المغاربة، سواء أكنا محافظين، أم ديمقراطيين، أم ليبيراليين ، فإن الجميع يكون تعاقد علي الدستور الحالي، الذي نص على حماية الحقوق، بما فيها الحقوق المدنية. ولعل ما يجب العمل عليه، هو تفعيل مقتضيات الدستور، بعيدا عن سياق الإيديولوجيات، وفق مقاربة وطنية شاملة، تكون قاعدة للتأسيس الحقيقي لمجتمع الغد، من خلال تقوية البنى المدنية ومراكز الأبحاث والدراسات الاجتماعية، وإيجاد البدائل الكفيلة بالإجابة عن أسئلة الحياة المعاصرة وتعقيداتها. ولا يتعين أن ننسى، في سياق ذلك كله، معاركنا الحقوقية التي تضمنها لنا القوانين والدساتير، إذ رغم ما تحقق على الورق، فمعركتنا الحقيقية اليوم تكمن في تثبيت هذه المكتسبات من حرية ومساواة، نصد من خلالها العقليات الذكورية التي تبتدع كل يوم طرقا جديدة في العرقلة والتعطيل، وقبلها اعتبار أن القيم الكونية في احترام الحقوق والحريات الفردية، هي سلاح لا يحق لنا التلاعب باستعماله حسب الطرف المتضرر، مع وضع كافة الضمانات الاستراتيجية والبنيوية لإتمام مسلسل البناء الحقيقي. وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق دون تفعيل كل القوانين التي يضمنها الدستور أولا، والتي تشهد عليها مختلف الاتفاقيات الدولية التي صادقنا عليها في مجال احترام الحقوق والحريات، ضمانا لأسس التعايش الحقيقي بين مختلف مكونات المجتمع المغربي، وسدا منيعا في وجه دعاة التطرف الفكري.

إطلاق رحلات جديدة نحو أمستردام ومدريد وبرشلونة ومالكا وبروكسل.
تساقطات مطرية غزيرة.. صوت القطار المزعج يتلاشى مع الزخات المستمرة.. كنت عائدا من الشمال الإيطالي، خلال سفر مهني من البندقية وصولا إلى تورينو.
مؤمنة بالجمع بين الاهتمامات مؤسساتية كانت أونقابية أو جمعوية حد الاعتقاد أنها كل لا يتجزأ. هي رئيسة لجنة الجهوية والتنمية القروية بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ونائبة رئيس لجنة الميزانية بجهة مجلس طنجة تطوان الحسيمة، ومؤسسة جمعية وفاق للتضامن والمساواة وتكافؤ الفرص.