ارتأينا أن نخصص هذا العدد لموضوع السعادة، اختيار يتزامن مع فصل الربيع الذي نستلهم أجواءه النابضة بالحياة بالخصوبة، بالألوان والإشراق مع منسوب مهم من الإيجابية والإقبال على الحياة.
الحديث عن السعادة يقودنا رأسا إلى مشاعر شخصية من الفرح، البهجة، القناعة والرضا عن النفس وهو ما يجعل هذا التعريف مرتبطا بتجاربنا وإنجازاتنا الشخصية ومنسوب الشعور الداخلي بالسلام والرضا، لكن السعادة كمفهوم تطرح الكثير من الاختلاف، إذ ليس هناك وجود ميتافيزيقي للسعادة ، ومادامت كذلك فهي نسبية و تختلف باختلاف موضوعها وأهميته لدى الناس، فما يكون مصدر سعادة عند البعض قد لا يكون كذلك لدى البعض الآخر.
في خلفية اختيارنا لموضوع السعادة ، نستحضر أيضا التقرير العالمي حول السعادة الذي يصنف الدول من الأكثر الى الأقل سعادة، والذي صنف المغرب في مرتبة منخفضة، لنعيد طرح أسئلة بديهية لكنها مهمة حول تصوراتنا عن السعادة.هل نحن سعداء كمغاربة؟ ما الذي يصنع سعادتنا ؟ وهل نعيد إنتاج نماذج مغلوطة عن السعادة ؟
ما الفرق بين السعادة الفردية والمؤسسية والرفاهية ؟ كيف تقاس السعادة وهل لذلك علاقة بخصوصية كل مجتمع؟
من المهم أن نميز بين السعادة الفردية والرفاهية أو السعادة الوطنية، كما يقيمها تقرير السعادة العالمي، الذي يتبنى رؤية تقنية في محاولته لقياس الرفاهية الجماعية استنادا على مؤشرات الدعم الاقتصادي، الحرية، الصحة التعليم…
يمكن أن تشير النقاط المنخفضة في تقرير السعادة العالمي إلى تحديات في المجتمع، لكنها لا تعكس بالضرورة الحالة العاطفية لكل فرد. إنها مؤشر عام، وليس حكما قاطعا على سعادة الأفراد، التي تشمل طيفا أوسع من العوامل. إن الأمر يتعلق باستخدام التقرير كأداة للفهم والتحسين، وليس مجرد تصنيف.
من المؤكد ان هناك تحديات مطروحة على بلدنا المغرب، ولكن هذا ينطبق على كل بلد، وهناك مجهودات كبيرة للدفع بعجلة التنمية والرفع من القدرات لرفاه المواطنات والمواطنين، هناك مجهودات مبذولة في مجال التمكين الاقتصادي والدعم الاجتماعي، خاصة لفائدة النساء في وضعية هشاشة وربات البيوت، وفي دعم الريادة النسائية، إلى جانب المبادرات الهادفة إلى تحسين الخدمات الصحية و الاستثمار في اقتصاد الرعاية …لصناعة الرفاه العام الذي يمر عبر الرفاه الخاص.
تقدم النساء دلائل كثيرة على كونهن صانعات للسعادة، في الممارسات اليومية والعلاقات الاجتماعية و في الابداع … و نستطلع في المواد التي نقترحها في هذا العدد بعض التجارب الملهمة التي تملكت هذا المفهوم و صنعت تعريفها الخاص للسعادة وجعلت منه مطية للتخلص من القيود التي قد تكون أفكارا ذاتية أو مجتمعية، وفرصة للتصالح مع الذات، والبناء المهني والاجتماعي، مما يؤكد أن السعادة تنتج الإيجابي والجمالي وتخلق توازنا في الحياة ، وهذا الإحساس يخلق كيمياءه، فينعكس على الجسد والتفكير والمشاعر ليصبح العالم جميلا في تلك اللحظة، فتكبر الإرادة وقدرة الذات على تجاوز الإكراهات.
أيها الشاكي وما بك داء
كن جميلا ترى الوجود جميلا
لعلها الفلسفة التي تختزل السعادة كما خلدتها قصيدة «فلسفة الحياة» للشاعر ايليا ابو ماضي
فالسعادة تبدأ من نظرتنا ومن المعنى الذي نسبغه على الأشياء.