كان زلزال الحوز ملهما لك. هل كنت تشكل لوحة بنفس مستوى الآلام الواقعي؟
بكل تأكيدا كان ملهما، أما أن أشكل لوحة بنفسي في مستوى الألم الواقعي فهذا حق متروك للمشاهد والمتفاعل مع لوحاتي فهو القادر على المقارنة، يعني قادر على مدى قدرتي على ان اجسد وأصل إلى ذلك الإحساس.
مررت إلى الإحساس الجماعي كأنك تقيس نبض الألم في الجميع، والنتيجة عمل أعادنا إلى بيكاسو، إلى أي حد كانت تحضر غرينيكا وأنت بين ريشة وبياض اللوحة؟
أبدا، لم أكن أفكر في غرينيكا بيكاسو وأنا أمام فاجعة وانفعال وتفاعل وريشة، ولوحة بيضاء، ومرسم فيه ذاكرة الكثير من الأحداث التي هزتني تشكيليا لا فقط مشاعريا. لقد كنت مأخوذا بالتعبير عما أراه، لم يكن المرجع سوى ما كنت أشاهده وأسمعه، ومن ثم كنت أفكر كثيرا في طريقة التعبير عن هزة في الأرض وأخرى في المشاعر.
يحتاج الفنان الى مسافة زمنية بينه وبين الاحداث الأليمة ليبدع. هل كانت سرعة الكارثة تفرض سرعة الاستجابة مثلما فعلت؟
الزلزال مدمرة، قاتلة، لا ترحم، مفجعة، تأتي على كل شيء، تترك وراءها فواجع وحكايات، وليست لها دورة معلومة. من ثم فهي لا يمكن أن تنتظر على مستوى التفاعل معها.
الفن يختبر أمام ما نراه وما نسمعه. من الصعب أن تبقى في حالة انتظار. في مقابل الزلزال الجيولوجي الفيزيقي المادي، هناك زلزال آخر من الأحاسيس يعبرك، وأخر تسمعه من حولك، لكن الزلزال الثالث هو شكل وحجم وعمق التضامن المعبر عنه من طرف باقي المغاربة بشكل تلقائي. كل هذا يدفعك للتعبير بالطريقة التي تملك. طريقة التضامن من طرف المغاربة، وبدون شعور، كان فيها الكثير من الجمالية والأمثلة كثيرة على ذلك. وقد رأينا كيف احتضنها الجميع وأشادوا بها ووثقوها بطريقتهم في وسائل التواصل الاجتماعي.
هل عشت نفس التجربة فنيا مع أحداث سابقة؟
فعلا، عشت شيئا يقاربه خلال فترة الحجر الصحي أيام كورونا. تلك الفترة ليست استثناء. لكن الفرق بينهما أنه في التجربة الثانية أي في الحجر الصحي، ولد الأنتظار شيئا من الحيرة، انتظار الموت، وكيف سيكون هذا الموت. في الزلزال كان الموت،وكنا أمام النتيجة: قيامة بنوع ما. وفي كلتا الحالتين لا يمكن أن نغفل هزة الأحاسيس، وهزة الفن.
تفاعل رواد التواصل الاجتماعي مع لوحاتك كان بتسميتها وربط بما خلفته غرينيكا لبيكاسو والعشاء الأخير لدافينشي كيف وجدت تسمياته لهما، وهل استجابت لنفس الإنطباع الذي تركته فيك عند الانتهاء من تشكيلها؟
عادة لا ألجأ إلى تسمية لوحاتي، وهو اختيار نابع من عدم توجيه المشاهد نحو قراءة محددة، باعتبار أن اللوحة هي التفاعل مع تلك النتيجة التي نصل إليها بعد المشاهدة، ولكل واحد وواحدة مرجعياته المعرفية والنفسية. أن يصل المشاهد الى أن يضع لها أسماء فهذا دليل على أن التفاعل حصل، وأن اللوحة استطاعت أن توصل شيئا ما وفي حالتنا هول ما حدث، وهذا يعود بنا إلى السؤال الأول أن اللوحات نقلت فعلا الألم الواقعي مادام المتلقي استطاع أن يسميها بأسماء أعمال تشكيلية كبيرة.
وأنت تتأمل فيها اليوم، هل تستمع بها فنيا، أم تسترجع بها أحداثا أليمة فقط؟
يخلق الفن عامة أحاسيس وانفعالات ولكن بوسائل وتقنيات تبغي السمو بتلك الاحاسيس والانفعالات، وهذا ما يجعل الفن عامة والفن التشكيلي على وجه الخصوص يختلف عن التعبيرات المباشرة. كلما تأملت الأعمال الفنية تسترجع ما حدث، لكن بقيمة جمالية تجعله أكثر من ذكرى لأن العمل الفني يجعله ساكنا فينا دوما. فهل نسينا غرينيكا رغم أننا لم نعشها؟
لوحة العشاء الأخير فيها تمغربيت: المائدة ومستوى عيش ناس الحوز؟
العنوان مستلهم من اللوحة الشهيرة لدافينشي المتعلقة بعشاء السيد المسيح قبل أن يقاد إلى الصلب. تم استحضار هذا العنوان كون ناس الحوز وورزازات وتارودانت كانوا زمنيا في وقت العشاء، وقد حاولت أن أتخيل عشاءهم الأخير بتشكيله في أواني داخل اللوحة وكيف كان وسط ذلك الدمار. الاختلاف أن لوحة دافينشي المستمد منها عنوان لوحتي، كان لها بعد ديني، لكن، في لوحة العشاء الأخير بالحوز حاولت أن أعطيها بعدا مغربيا. فكرة اللوحة هي تلك الأيادي التي تتشبت بالوطن، وهذا هو الدرس الذي تعلمناه من الزلزال الذي يحيلنا على الزلزال الثالث المرتبط بالشكل التضامني الذي أبدعه المغاربة جميعا، كل بطريقته وإمكانياته.
الهوية رفعت منسوبها في لوحة العلم المغربي، وربما توقفت معها عن مواكبة ما يحدث من زلزال الأرض؟
لوحة العلم المغربي لم تكن هي الأخيرة من حيث كرونولوجية اللوحات التي ألهمتني أياها مشاهد من هزة الجمعة الأول من شتنبر، هي كانت في السياق العام، و في سياق زلزال من الأحاسيس كما قلت في بداية اللقاء. فكما كان هناك زلزال جيولوجي كان هناك زلزال من الاحاسيس والانفعالات. وهي تخرج هكذا انطلاقا من استضمارها ومحاولة التفكير، وإخراجها بالتركيز على السند الذي اشتغل عليه في أعمالي