الدار البيضاء سنة 1981: انْكِسَارُ الحَنَايَا

أذكر كثيرا من الوجوه التي حشرها القمع في ذلك المكان الكريه أيام بدايةِ صَيْفٍ قائِضٍ لم يكن من السهل احتماله كما تُحْتَمَلُ، على سبيل المثال، كل (الحقارات) وجميع (الدناءات) التي تُسلَّطُ على الناس في هذه الأيام قصد تخويفهم من الموت. كانت (الدار البيضاء) بفقر أحيائها الهامشية البَشِع قد انفجرت في وجوهم، ولم تكن القوات الخصوصية، المُدَرَّبَة على البطش، قد أخْلَتْ بعدُ الشوارعَ من الجثث التي تأخَّرَت في الهَرَب من النار.

 وأذكر كثيرا، قبل أربعين سنة، حين خُيّل للمستبدين أن إلقاء تلك الجثث في حُفَر وتلك النفوس في أقْبَاء سوف يقضي على أحلامهم أو أوهامهم، لا فرق، فلم يفطنوا، للغباء الذي جبلوا عليه ولسوء توقعهم، أنهم هم الحالمون الواهمون أو كانوا واهمين غافلين عن: 1- أثر التاريخ في العقول 2- والقمع في الأبدان والأرواح 3- والماضي الجريح في الدموع والآهات والزفرات… وقد قيل لهم قبل الآن: الحلم لا يموت بموت صاحبه، ولكنهم لا يفقهون في الحرية شيئا ولم يطبقوا من الديموقراطية إلا مسلسلها الهجين.

وها نحن، بالجمع المفترض أو بالأنا المؤكد، نستعيد بوضوح ويقين كامِليْن، ومن الصحيح بالمناسبة المُفجِعة التي نستذكرها بألم وغصص، أنَّ مَن كان منهم في سجن (لعلو)، أولئك الذين قتلتهم العدالة الظالمة لكي يُدّفَنُوا رمزيا في أعالي (مقبرة الشهداء)، وأولئك الذين بقوا أحياء يتصببون عرقا في العنابر المكتظة بهم، وفيهم من يتوسد المحال في الخيال، وبينهم الشاعر الذي سأتعرف عليه بعد أنْ كنتُ قد أمضيتُ في السجن الآخر قرابة سبع سنوات بعد الهزيمة… هؤلاء جميعا، ودون الاهتمام بمن نَسِيَّهُم أو تذكر ذِكْرَاهُم، شاهدوا أيامها، في قمة الانحياز الشعبي والحزبي، آثار الدم في الطرقات والصياح في الحناجر والدبابات كذلك،    وشاهدوا أكثر تلك المروحيات التي طارت في السماء لكي تُمْطِرَ المضربين والمتظاهرين بأشد أنواع القتل غيلة. وبعد 35 سنة (2016) بالضبط وجدنا أمهاتٍ نائحات أكبادُهُنَّ مقطوعة مَفْطُورَة يَنْدُبْنَ القتل أمام كُمْشَةٍ من العظام الملتبسة في تلك المقبرة التي أقامتها (هيئة الإنصاف) في نفس الثكنة التي رَمَوْا فيها الجثث المقتولة من قبل.

وها أنا أذكر كثيرا، بنفس المناسبة المفجعة، أن قصيدة الدار البيضاء (20 يونيه 1981) خرجت من هناك… من الفرن الذي اشتعلتْ فيه الأبدان على صَهْد صَيْهَدٍ، فقام محمد الأشعري بكتابة حروفها الملحمية بكثير من الحرارة البدنية والعقلية، ثم أودعها في جيبي المُرْتَحِل، وَخَرَجَتْ مني، بعد البكاء والاعتصار الذي يصيب الذوق، إلى الصَّاحِب الجَسُورِ هُوَّ في حُلَّةٍ لم تأتِ على شيء سابق في مجلة الأستاذ عبد الحميد عقار.

لا يهمني من يذكر هذا لأن القصيدة قالت ثلاثا: دمْعَهَا في إشارة إلى العيون الغاضبة، ونِضَالَهَا في إشارة أخرى إلى الأحلام المنشودة، وغَضَبَهَا في إشارة لا تُؤَدّي إلا معنى الاحتجاج على القمع والقتل.  

وأذكر أخيرا أن في (بيضاء) محمد الأشعري نَفَسا شعريا مُغَرِقا، كما يجب أن يكون عليه الإغراق، في التراجيديا لأنه يصف الهِبَّة-العَصْفَة والدَّمَ والأطفالَ المُدَرَّجِينَ به في الشوارع والهُتَافَ البيضاوي المُرّ الكاوي والجُثثَ التي (كانت تُغَذّي ضَفَائِرَها بنشيج المسافات) بعدَ أن تحوَّل الغصب في صدورها إلى غَابَة.

تَغَيَّرْ ما شئتَ وَانْسَ ما شئتَ وتَحَوَّل مع المتحولين أو بدونهم، أو مُتْ في غيظك ودمعك… فإنَّ الذكرى بالفعل تنفع المؤمنين وغير المؤمنين، واعلمْ أنَّ الناس لا يَكْفُرُونَ بأي شيء إلا بمفعول الفقر الذي قد يُحَوِّلُهُم إلى عبيد أو إلى أحرار: فإن أصبحوا عبيدا ماتوا في فقرهم، ولو تحرروا بأحلامهم، ولو كانت أوهاما، عاشوا مِثْلِي على الذكريات المفجعة.

القتلى ينامون فقط… مهما كانت فظاعة الجريمة.

 

براقش

 

العلامة الرياضية الشهيرة تفتتح ثاني فروعها في مدينة الدار البيضاء، والثالث في المغرب، ضمن إطار شراكتها المستمرة مع "بلانيت سبورت" لتعزيز حضورها في السوق المحلي.
هي «لالة فقيهتي» في برنامج «ألف لام» الذي أعدته وقدمته للتلفزيون المغربي، ومحجوبة في حياة في وحل، ونعيمة في برنامج الحكاية الإذاعي، وهي الراوية في «الحبيبة مي»، ولالة ربيعة في «البحث عن زوج امرأتي». بعض من أدوارها الكثيرة والمتنوعة التي ترسخت في ذاكرة جمهور السينما والتلفزيون والمسرح والإذاعة، لتكشف عن فنانة رسخت إسمها بعمق إنساني كبير هي نعيمة المشرقي.
العلاقة الجنسية المثالية هي مفهوم شخصي للغاية، ويختلف من شخص لآخر. الخبراء يؤكدون على عناصر مفاتيح وهي التواصل، الاحترام، والقدرة على النمو والتطور معاً.