ما بين عنف جسدي نفسي اقتصادي جنسي وقانوني، تحولت مؤسسة زواجهم إلى جحيم، بعضه وصل إلى المحاكم بكل اختصاصاتها: أسرية كانت أو جنايات.. والبعض الآخر صامت، يلجمه الصبر بسبب وجود الأبناء أو ضعف اقتصادي يسحب المعنفة نحو الصمت وتغييب كرامتها.
«لا مجال لمقارنة عنفه بردة فعلها التي لا يمكن اعتبارها عنفا، الكلام للأخصائية الاجتماعية بمركز تيليلا لإيواء المعنفات بمدينة المحمدية، تصنيف جاء في سياق الرد على رفض خديجة نزيلة المركز، التراجع عن قرار هجر زوجها بسبب عنفه. هو يحتج على مساس بكرامته كلما جاء يطرق باب المركز مستعطفا رجوعها، وهي تشهر أثار عدوانيته على جسدها ولا تجد مبررا لها. لذلك حملت أصغر ابنيها وغادرت علاقة زوجية عنيفة، الوضع المادي للضحية كان في درجة الصفر، لكنه لم يمنعها من الهروب بدل الصمت على سلوك يجر للعبودية كما وصفته.
المس بالكرامة جراء الاستعطاف اعتبره بحث للمندوبية السامية للتخطيط عنفا في إطار دراسة عنونتها ب : «انتشار العنف ضد الرجل في مختلف فضاءات العيش»، والتي شملت عينة من 300 رجل، وكشفت بأن نسبة 28 في المائة من الرجال المتزوجين تعرضوا للعنف في بيوتهم. دراسة تجانب واقع العنف المبني على النوع والذي يمارس في بيت الزوجية كنوع من التحصين لمفهوم الرجولة كما سطرتها قوانين العقلية الذكورية. وهنا يفتح قوس عن كيف يتحول الاستثناء والحالات الشاذة إلى قاعدة لذا نفس العقلية باستحضار حوادث كانت فيها الزوجة متهمة والزوج ضحية عنف. حادث طنجة والدار البيضاء
هي امرأة في الثلاثينات من العمر. ثمان سنوات هو عمر اعتدائه عليها. «منذ السنة الثانية لزواجنا بدأ الضرب، ذقت فيها (الويل)» تقول حسناء، الأم لابنتين إحداهن لها إعاقة جسدية، قرابتهما العائلية كونه ابن خالتها، جعلها تلجأ لبيت والديه في البادية بعد هجرته خارج المغرب دون أن يترك لها مصدرا للعيش منه، المقام الجديد لم يكن بدوره آمنا مع أنه بيت خالتها، عنف نفسي وتحكم وتحويلها إلى ما يشبه خادمة لم يختلف عن ما عاشته مع زوجها. بعد عودة الأخير من المهجر فاشلا من تجربة لا مؤهلات له فيها، عاد بأسوأ عادات وسلوك: «عدوانية، سكر، سهر، احتقار، حرمان ولا كرامة حين فرض علينا العيش في غرفة بمنزل مشترك، السكن مع الجيران «كان كيجبرني على حبس أنفاسي خوفا من إزعاجهم كلما اعتدى علي، وضع جعلني تفكيري في الانتحار يتكرر، لكن ابنتي حالا دون تنفيذه.» تقول حسناء التي تركت بيت العنف الزوجي إلى عنف آخرا سببه التحايل على نفقة ابتيه .
الأرقام تفضح
في آخر تقرير لها عن العنف المبني على النوع الاجتماعي، كشفت شبكة الرابطة أنجاد ضمن المعطيات الإحصائية للفترة الممتدة من فاتح يوليوز 2021 و 30 يونيو 2023 أن 63 في المائة من الناجيات من العنف متزوجات، مؤكدة أنهن يتعرضن لعنف اقتصادي ونفسي وقانوني وجسدي، وهو ما يؤكد حسب التقرير أن «بيت الزوجية الذي يفترض أن يكون أكثر مكان تشعر فيه المرأة بالأمان، يتحول إلى أكثر مكان تتعرض فيه إلى العنف».
لغة الارقام المحصلة من الدراسات والتقارير تعري الخفي خلف أشجار غابة العنف: 55٪ نسبة العنف الممارس في إطار الحياة الزوجية، رقم كان بداية الصدمة من واقعنا في أول تقرير رسمي للمندوبية السامية للتخطيط، بحث وطني حول العنف ضد النساء، قد تكون رمزيته الرقمية محرجة، لكن تفاصيل ما تحكيه النساء عن حياتها في بيت الزوجية تعكس مأساة إنسانية تتجاوز بلاغة الأرقام ، وهي مؤشرات عن كون اللبنة الأولى لبناء مجتمع سليم مشلولة كون نواة الأسرة تعاني من آثار العنف. الانتحار واحد من تلك الآثار التي كشفت عنه معطيات تقرير لمرصد عيون نسائية : 18 امرأة تحاول الانتحار سنويا. معطى رقمي تجاوزته أحداث السنوات الأخيرة عن انتحار أو محاولة انتحار زوجات معنفات.
عنفهن!
للرجال جمعيتهم التي تدافع عن حقوقهم وترصد حالات وأشكال العنف التي يتعرضون لها. الشكايات التي تستقبلها الجمعية تعتبر إلزامية الزوج بالنفقة على الأبناء من خلال الوصول إلى الحسابات البنكية للأزواج المتهربين من النفقة، وتمكين الزوجة من بيت الزوجية خلال التقاضي كونها هي الكفيلة، تعتبرها عنفا ماديا. فيما العنف النفسي يشمل الإهانة التقليل من الرجولة بسبب العجز والتقصير في القوامة. أكثر من ذلك، اعتبرت دراسة للمندوبية السامية للتخطيط أن غيرة الزوجة من بين أشكال العنف التي يتعرض لها الزوج حسب تصريحات العينات التي شملتها الدراسة، وأن تأثيرها تسبب له ضررا نفسيا يؤثر على سلامته وتوازنه. معطيات وجهت بانتقادات أشهرت أن العنف المبني على النوع هو الذي يشكل خطرا وهو المعني بحملات المناهضة باعتباره «مظهرا من مظاهر علاقة القوة الغير المتكافئة تاريخيا بين الرجال والنساء.»
اعتاد فؤاد الهمزي المعروف بنشاطه في «الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الرجال ضحايا العنف النسوي «استعراض مقاومته لما يعتبر حقا من حقوق المرأة الزوجة المتعلقة بنفقة الزوج، معتبرا إياها إجحافا وتفقيرا للأزواج كونها تمس بمكانتهم المادية، ومن ثم تأكيده على كون الإلزام بالنفقة عنف تجاه الزوج.
نزيف العنف الزوجي لا يغطى بالغربال المغالطات، الضحية فيه هي الزوجة، وهو لا يقارن بحالات تخرج فيها الأخيرة « الزوجة» عن السيطرة كرد فعل على سلوك قاهر تجاهها :» لو رجعوه للدنيا نقتلو ألف مرة كثر من الطريقة باش قتلت لأنه عذبني في حياتي»، الشهادة كانت لمعتقلة بسجن عكاشة تقضي مدتها الحبسية المقدرة ب30 عاما لا يشملها ظروف التخفيف، وهي الخلاصة التي تفصل بين سلوك متأصل بحكم التمييز المبني على النوع، ورد فعل محدود مبني على الألم الذي يتسبب في موت النساء عنفا، وانتحارهن عنفا، وتشردهن عنفا أيضا..