يشاهد الأطفال اليوم العالم من خلال شاشات هواتفهم وأجهزتهم اللوحية، يقضون ساعات بين الألعاب، الفيديوهات، والمحادثات الرقمية. هذا الفضول أو التسلية، يمكن أن يتحول تدريجيا إلى عادات تحد من نومهم، تركيزهم، وتفاعلهم مع العالم من حولهم. لأن كل دقيقة يقضونها أمام الشاشة هي دقيقة بعيدة عن اللعب الحر، الاكتشاف الواقعي، والتفاعل مع الأسرة والأصدقاء، ما يجعل متابعة استخدامهم الرقمي مسؤولية حساسة وضرورة للتوازن النفسي والصحي.
تؤكد تقارير وطنية مثل تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE) أن عددا متزايدا من الأطفال والمراهقين يستخدمون الإنترنت بشكل يومي، وغالبا دون إشراف كاف من أولياء الأمور. ويرى المجلس أن هذا الانغماس المبكر في الفضاء الرقمي قد تكون له آثار سلبية على التوازن النفسي والسلوكي، إذ يؤدي إلى اضطرابات في النوم، وتراجع التركيز الدراسي، وميول للعزلة أو القلق الاجتماعي.
من جهة أخرى، تشير منصات تحليل المحتوى الرقمي إلى ارتفاع عدد الحسابات التي يديرها آباء لأطفال مؤثرين في المغرب، تحقق نسب متابعة مرتفعة وأرباحا جيدة من التعاونات الإعلانية. هذا الواقع يفتح بابا واسعا للأسئلة حول حدود الاستخدام، والفرق بين دعم الموهبة واستغلال الطفولة في سياق تجاري بحت.
وبالرغم من تزايد هذه الظاهرة، فإن الأبحاث الأكاديمية في المغرب ما تزال محدودة، باستثناء بعض الدراسات التي نبهت إلى غياب إطار قانوني واضح لحماية صورة الطفل على المنصات الرقمية. كما يرى خبراء علم النفس أن التعرض المستمر للأضواء في سن مبكرة قد يربك التوازن النفسي للأطفال، ويجعلهم يربطون قيمتهم الذاتية بعدد اللايكات أو المتابعين.
هذه الظاهرة تساءل الأسرة والمجتمع على حد سواء. فحماية الطفل لا تعني عزله عن التكنولوجيا، بل مرافقة حضوره في هذا العالم بخطوات واعية تحفظ براءته وهويته. ربما لا يمكن منع الأطفال من الحلم بالشهرة، لكن يمكننا على الأقل أن نمنحهم فرصة أن يعيشوا طفولتهم بسلام، بعيدا عن ضوء الكاميرا الذي قد يسرق منهم براءتهم.