في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، برزت أشكال جديدة من العنف تهدد الفئات الأكثر ضعفاً في مجتمعنا. فاطمة الزهراء النحال، نائبة وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بإنزكان، سلطت الضوء خلال اجتماع خلية التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف على المخاطر المتعددة للعنف الرقمي الذي يستهدف بشكل خاص النساء والأطفال.
يشمل العنف الرقمي مجموعة واسعة من الممارسات الضارة، بدءاً من السب العلني عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى المضايقات غير العلنية التي يعالجها قضاء القرب. وتتنوع أشكال هذا العنف بين التشهير والابتزاز الإلكتروني والتحرش الرقمي والتنمر، حيث تترك هذه الممارسات آثاراً نفسية عميقة على الضحايا قد تستمر لسنوات.
ما يزيد من خطورة هذه الظاهرة هو طبيعتها المستمرة والمتطورة. فمع كل تقدم تكنولوجي جديد، تظهر أشكال مبتكرة من العنف الرقمي. وأشارت النحال إلى الصعوبات الكبيرة في التحكم بهذه الجرائم، نظراً لسهولة اختراق الخصوصيات وانتحال الهويات في العالم الرقمي. كما أن إمكانية تتبع الضحايا والاتصال بمعارفهم للضغط عليهم نفسياً تزيد من معاناة الضحايا.
يأتي ذلك، خلال الاجتماع الذي ضم ممثلين عن هيئات جمعوية ومنظمات حقوقية وضباط شرطة قضائية ومسؤولين حكوميين، حيث تم التوصل إلى عدة توصيات لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة. أولى هذه التوصيات تنظيم حملات توعية مستدامة تستهدف المؤسسات التعليمية وفضاءات العمل، لتعريف المجتمع بمخاطر العنف الرقمي وسبل الوقاية منه.
كما دعا المشاركون إلى إحداث مراكز متخصصة لإيواء ضحايا العنف الرقمي، مع ضرورة تزويد هذه المراكز بأطر مؤهلة قادرة على تقديم الدعم النفسي والقانوني اللازم. وشدد المجتمعون على أهمية تعزيز التنسيق بين جميع الأطراف المعنية، من مرحلة تلقي الشكايات وحتى المحاكمة، لضمان معالجة سريعة وشاملة لهذه القضايا.
ومن بين الحلول المقترحة أيضاً تعميم تجربة مراكز الإنصات في المؤسسات التعليمية، التي أثبتت فعاليتها في تشجيع الضحايا على الإبلاغ وتقديم الدعم النفسي المبكر. واعتبر المشاركون أن هذه الخطوة ستسهم في كسر حاجز الصمت الذي يحيط بالعديد من حالات العنف الرقمي.
في ختام المناقشات، أكد جميع الحاضرين على أن العنف الرقمي لم يعد مجرد مشكلة فردية، بل تحول إلى ظاهرة اجتماعية تهدد الأمن النفسي للمجتمع بأكمله. وفي ظل الاعتماد المتزايد على الفضاءات الرقمية في حياتنا اليومية، أصبح من الضروري تطوير آليات قانونية وتوعوية متكاملة لمواجهة هذا التحدي الجديد.
تدعو هذه التوصيات إلى تبني مقاربة شاملة تجمع بين الوقاية والحماية والردع، مع التأكيد على ضرورة مواكبة التشريعات للتطورات التكنولوجية السريعة. فكما أن التكنولوجيا قدمت حلولا عديدة لجعل حياتنا أسهل، فإنها أيضاً فتحت الباب أمام أشكال جديدة من العنف تتطلب يقظة جماعية ومسؤولية مشتركة لمواجهتها.