في وقت تشغل فيه المرأة مناصب قيادية غير مسبوقة في بعض أركان العالم، تكشف أحدث البيانات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة عن صورة قاتمة على مستوى العالم، حيث أن تحقيق التكافؤ بين الجنسين في أعلى مناصب السلطة لا يزال بعيد المنال، وقد يستغرق تحقيقها أكثر من قرن من الزمان إذا استمر المعدل الحالي للتقدم.
جليديات القمة: بطء التمثيل في المناصب التنفيذية
اعتبارا من يونيو 2025، بلغ عدد النساء اللاتي يشغلن منصب رئيس دولة و/أو حكومة حول العالم 31 امرأة فقط في 27 دولة. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يمثل رقما قياسيا، إلا أنه يخفي حقيقة صادمة: فبالمعدل الحالي البطيء، لن تتحقق المساواة بين الجنسين في قمة الهرم السلطوي قبل 130 عاما.
وعلى مستوى الحكومات، لا تزال تمثيلية المرأة في المناصب الوزارية متواضعة. فمن بين جميع الوزراء الذين يقودون حقائب سياسية، لا تشكل النساء سوى 22.9% فقط. والأكثر إثارة للقلق هو أن تسع دول فقط في العالم هي التي حققت أو تجاوزت نسبة الـ 50% من الوزيرات.
وتكشف البيانات عن نمط واضح لتوزيع الحقائب الوزارية، حيث تمنح النساء غالبا portfolios تتماشى مع الأدوار النمطية التقليدية. فالحقائب الخمسة الأكثر شيوعا للوزيرات هي: شؤون المرأة والمساواة بين الجنسين، تليها الأسرة والطفولة، ثم الشؤون الاجتماعية والتنمية، فالحماية الاجتماعية، وأخيرًا الثقافة.
البرلمانات الوطنية: فجوات إقليمية صارخة
على مستوى السلطة التشريعية، تبلغ نسبة تمثيل المرأة في المجالس النيابية حول العالم (أحادية أو مجلس النواب) 27.2%، وهي تحسن ملحوظ مقارنة بـ 11% في عام 1995، لكنه يبقى تقدما غير كاف. تشير التوقعات إلى أن التكافؤ في البرلمانات لن يتحقق قبل عام 2063.
ويبرز تفاوت صارخ على المستوى الإقليمي. فبينما تقود أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بنسبة 36%، وأوروبا وأمريكا الشمالية بنسبة 33%، تتأخر مناطق أخرى بشكل كبير، حيث لا تتجاوز النسبة في شمال أفريقيا وغرب آسيا 19%، وفي وسط وجنوب آسيا 17% فقط.
وتظل رواندا الدولة الرائدة عالميا بلا منازع، حيث تشكل النساء 64% من برلمانها، تليها كوبا (56%)، ونيكاراغوا (55%)، بينما تشاركها الإمارات العربية المتحدة والمكسيك وأندورا صدارة القائمة بتحقيقها نسبة 50%.
الحكومات المحلية: بصيص أمل ونمط متكرر
تمثل الحكومة المحلية مستوى قد يكون أكثر قربا للمرأة، حيث تشغل النساء 35.5% من المقاعد في الهيئات التداولية المحلية عبر 145 دولة. ومع ذلك، لم تحقق سوى دولتين فقط التكافؤ على هذا المستوى، بينما تجاوزت 26 دولة أخرى حاجز الـ 40%.
ويعيد التوزيع الجغرافي لهذه المقاعد إنتاج نفس النمط من التفاوت، حيث تتصدر مناطق وسط وجنوب آسيا القائمة بنسبة 41%، بينما تحتل منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا المرتبة الأدنى بنسبة 20%.
الحصص الجنسية والأثر الإيجابي: لماذا يجب الاستثمار في القيادة النسائية؟
يُعتبر اعتماد “حصص جنسية” legislated quotas أحد أكثر الأدوات فعالية في تسريع وتيرة التمثيل السياسي للمرأة. فالدول التي تطبق حصصا للمرشحات تشهد زيادة في تمثيل المرأة بما يتراوح بين 5 إلى 7 نقاط مئوية في البرلمانات والمجالس المحلية مقارنة بالدول التي لا تعتمد هذه الآلية.
والأهم من الأرقام هو الأثر الملموس. فالأدلة المتزايدة تؤكد أن مشاركة المرأة في صنع القرار تحسن نتيجته. ففي الهند، كانت مشاريع مياه الشرب في المناطق التي تقودها النساء أكثر بنسبة 62% منها في المناطق التي يقودها الرجال. وفي النرويج، أدى وجود المرأة في المجالس البلدية إلى تحسين مباشر في خدمات رعاية الأطفال.
طريق طويل واستحقاق عاجل
تبين البيانات أن قيادة المرأة ليست مجرد مطلب عدالي، بل هي استثمار في مجتمعات أكثر شمولاً وعدالة وفعالية. ورغم الإنجازات البطيئة، يبقى الطريق نحو المساواة الحقيقية في مراكز صنع القرار طويلا وشاقا. يتطلب كسر حاجز الـ 130 عاما إرادة سياسية حقيقية، وإصلاحات جذرية في النظم الانتخابية والثقافية، والاعتراف بأن مستقبل الديمقراطية والتنمية المستدامة يرتبط ارتباطا وثيقا بضمان مشاركة كاملة ومتساوية للمرأة في قيادة العالم.