من الخطأ الشائع الاعتقاد أن المرأة التي تعيش في علاقة زوجية تتعرض فيها للتهديد أو الاعتداء تختار البقاء بمحض إرادتها، وأن بمقدورها إنهاء المعاناة بمجرد مغادرتها. إلا أن الواقع أكثر تعقيدا بكثير، حيث تتداخل عوامل نفسية واقتصادية واجتماعية لتشكل قفصا غير مرئي يصعب الهروب منه.
تشويه الإدراك وعزلة الضحية
غالبا ما تبدأ العلاقات المسيئة بمرحلة من الحب والأمل، مما يزيد من صعوبة الانفصال لاحقا، خاصة بعد إنجاب الأطفال. ومع الوقت، يصبح التعرض المستمر للتحكم والإيذاء تجربة صادمة تدفع الضحية إلى التشكيك في ذاتها ولوم نفسها. يلجأ المعتدون إلى أساليب متعددة لإرباك الضحية، مثل اتهامها بالتسبب بالإساءة أو التقليل من شأنها، مما يزرع فيها شعورا بالذنب ويشوه إدراكها للواقع. وقد تعبر بعض الناجيات عن هذا الشعور بقولهن: “كنت أعتقد أنني أستحق ما حدث”، مما يجعلهن عاجزات عن إدراك حقيقة الوضع الذي يعشن فيه.
الخوف: رفيق البقاء الدائم
يتجاوز الخوف في هذه العلاقات خشية البقاء ليصل إلى الخوف من عواقب الرحيل. فقد تهدد الزوجة بالانتقام أو بإيذاء الأطفال إذا ما حاولت المغادرة، مما يجعل فكرة الرحيل أكثر إرهابا من واقع البقاء. كما تعتقد بعض النساء أن الزوج، رغم سلوكه المسيء، قد يكون أبا صالحا لأطفالهما، إلا أن الدراسات تشير إلى أن الأطفال في هذه الأسر يكونون على دراية كاملة بالإساءة ويعانون من آثارها العميقة، بل وقد يتعرضون هم أنفسهم للإيذاء المباشر.
قيود المجتمع والضغوط المالية
تواجه المرأة ضغوطا اجتماعية هائلة تثنيها عن إنهاء العلاقة، بدءا من الصور النمطية التي تروج لمفاهيم مثل “الزوجة الصابرة” أو “الاستمرار من أجل الأطفال”، وصولا إلى النبذ واللوم من قبل العائلة أو الأصدقاء إذا ما طلبت المساعدة. كما تلعب العوائق المالية دورا محوريا، حيث يمارس المعتدي سيطرته متعمدا على الشؤون المالية، مما يجعل المرأة عاجزة عن تخيل كيفية إعالة نفسها وأطفالها بعد الرحيل.
الأمل والرغبة في الإصلاح
لا تخلو هذه العلاقات من ومضات أمل، حيث تتمسك العديد من النساء برغبتهن في “إنقاذ” شريكهن وإصلاحه، معتقدات أن الحب والصبر كفيلان بتغيير سلوكه. هذا الأمل، إلى جانب الالتزامات الداخلية أو الدينية المغلوطة، يغذّي بقاءهن في حلقة مفرغة من المعاناة.