على مسرح الهواء الطلق بالحمامات، تونس، أحد أشهر الوجهات السياحية التونسية، امتزجت أصوات الكمبري (آلة موسيقية تقليدية) مع إيقاعات القراقب (الطبول الكناوية) في حفل غني بالحركة والعفوية. أظهر العازفون الأربعة براعة في توظيف الإيقاع، بينما قادت “المعلمة” النعيرة الجمهور بسلاسة من مرحلة التأمل السماعي والبصري إلى المشاركة الفعالة، حيث بدأ الحضور يصفقون ويرددون مقاطع مثل “أمبارا مسكين” و“سيدي ميمون”، التي تحمل في طياتها حكايات معاناة وأساطير روحية.
جاءت الفرقة من ضفاف المحيط الأطلسي حاملةً تراثا موسيقيا غنيا، تغذى على مراحل تاريخية متعددة في شمال غرب إفريقيا. وعلى الرغم من اختلاف جغرافية الحمامات عن الصويرة المغربية (موطن كناوة الأصلي)، إلا أن الفرقة نجحت في خلق أجواء مماثلة، وإن غابَت نسمات “ليزاليزي” (الرياح المحلية في الصويرة).
تحول المسرح ذو الطراز اليوناني-الروماني إلى فضاء للاحتفال بالتنوع، حيث انتقل الحفل من العزف المنفرد إلى التماهي الجماعي، حتى تخلت الآلات عن دورها لصالح الأصوات البشرية التي غنّت على إيقاعات خفية، كأنها تحاكي طقوساً قديمة للتحرر والانعتاق.
هكذا، أثبتت ليلة كناوة أن الموسيقى قادرة على تجاوز الحدود الجغرافية والزمنية، لتخلق حواراً فنياً يربط بين ضفاف المتوسط وأعماق الصحراء الإفريقية.