هكذا حاولت أن تقنع الكاتبة البريطانية «نائلة كبير» الذكور، بأن المساواة تعني تخفيف الأعباء عليهم، ولكن يبدو أن الرجال أنكروا تلك المسؤوليات وتخلوا عنها مع الاحتفاظ بكامل امتيازاتهم الجندرية تحت مظلة سوء التأويل والتفسير للنصوص القانونية والشرعية، فاحتكروا المكاسب، وتركوا المرأة وأبناءها يدفعون ثمناً غير مسترد بين ردهات وقاعات المحاكم يسألون كفاف العيش!
يتحدث واقع القضايا بساحات المحكمة الاجتماعية بالدار البيضاء عن واقع لا يمكن إنكاره، لذلك يعتبر القضاة أن قضايا الأسرة من أصعب أنواع القضايا لأنها مرتبطة ببناء المجتمعي الرئيس، وعندما يكون الأمر متعلقا بالأطفال وبمصيرهم، يزداد الأمر صعوبة، وهو ما صرح به أحد القضاة في جلسة علنية للنظر في مطالبة الزوجة بحقها في النفقة عندما طالبها بمستند إداري يثبت عمل الزوج قائلا: «أمتلك من الخبرة ما تكفيني أن أعرف من هو صاحب الحق في أي قضية، خاصة قضايا الأسرة، ولكن الالتزام بالمسطرة القانونية يحميك ويضمن لك نفقة مستمرة ودائمة، ما يثبت عمل الزوج ودخله هو الطريقة الوحيدة للحكم بالنفقة»، وعلى الرغم من نظرات الإحباط التي رافقت عيني «زينب قصار» بعد الجلسة إلا أنها عازمة على الاستمرار في السعي وراء حق أبنائها وقالت: «بعد معاناة مع زوج نرجسي، لسنوات طويلة، قررت النجاة بنفسي وأبنائي، وبالطبع النجاة مقابل التنازل عن الحقوق، بل وإنكارها من الأساس، حتى أن الزوج أنكر أنه يعمل أمام القاضي، وأصبحت أنا المطالبة بإثبات أنه يعمل، بعد أن تواطؤ مالك الشركة التي يعمل بها معه، في إخفاء ما يثبت دخله الحقيقي، ورغم ذلك أنا لن أتنازل عن حق أبنائي أبداً».
الحرب الدائرة في ساحة المحكمة الاجتماعية تجعلك لا تستطيع التمييز بين المفترى والمفترى عليه، فالكل هنا صاحب حق من وجهة نظره، لأن العدل المطلق صفة إلهية لا يمكن أن تتحقق على الأرض، ولكن يأتي دور القانون في رفع الظلم عن الضعفاء، والتأكيد على حمايتهم من بطش الطرف الأقوى بموجب القوة التي يمنحها لهم المجتمع بناء على تراكم سنوات من العنف القانوني ضد المرأة، ولهذا السبب جاءت «زينب بلحسن» للبحث عن حل مع العون القضائي للحصول على نفقة أبنائها، وعبرت عن أمنيتها الوحيدة في التعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة وهي: «تطبيق الاقتطاع من المنبع وهو الحساب البنكي الخاص بالطليق مباشرة بموجب حكم المحكمة، خاصة عندما يتعلق الأمر بأصحاب الوظائف غير المقننة، أو من يعملون دون تسجيل في صندوق الضمان الاجتماعي، فأنا طوال 10 سنوات من الطلاق لم أحصل على النفقة سوى ثلاثة أشهر ثم اختفى الطليق،الذي لا يعرف حتى شكل أبنائه، وأصبحت أنا مضطرة للجوء للمحكمة لطلب الحل من صندوق النفقة الذي يمنحني جزء لا يتجاوز مقدار 25% من نفقة أبنائي، بعد إهدار الوقت والمجهود في تقديم الأوراق الإدارية وتتبع المساطر القانونية».