نعيمة الشيخاوي : التطبيع هو ميكانيكزم وآلية ضمنية تدخل في إطار فعل العنف نفسه

رغم صدور قانون خاص بالعنف قبل سنوات، يواصل العنف بمختلف اشكاله امتداده في مختلف الفضاءات (خاص وعام)، تقدم الاكاديمية نعيمة الشيخاوي تحليلا للعنف المبنى على النوع الاجتماعي وقراءة لبعض مؤشرات التطبيع معه.

نعيمة الشيخاوي، باحثة اكاديمية متخصصة في الانثروبولوجيا وقضايا النوع الاجتماعي

اكثر من نصف النساء والفتيات المغربيات يتعرضن للعنف، حيث يبلغ المعدل الوطني 57.1 بالمائة، رغم دخول قانون العنف حيز التطبيق، ما هي العناصر التي تسمح لنا بقراءة او تفسير استمرار العنف المبني على النوع؟

أعتقد بأن الأرقام تصل عندما نصل الى خمسين في المائة كرقم إحصائي للعنف الذي تتعرض له النساء، فنحن أمام ظاهرة لها ارتباط بنيوي  ليس فقط بواقع حال المغربيات هنا والآن، ولكن بما يؤسس للعلاقات الاجتماعية بين النساء والرجال من قيم وقوانين وأعراف وثقافة خاصة بهذه العلاقات  بين الرجال والنساء، العلاقات التي  تحدد  ليس فقط الأدوار لكن الوضعيات القانونية والأخلاقية والوضعيات العامة التي ترتبط بالمجالات الاقتصادي والسياسي ..

أستحضر هنا حدثا قريب العهد، خلال شهر شتنبر (اعتداء على فتاة بطنجة في الشارع) وهو حدث له رمزية كبيرة، ولكنه ربما يجعلنا نتنبأ ونتصور أن قضايا العنف تجاه النساء ستعرف مجرى جديد، وما سيحصن ذلك هو الوقوف عند محدودية القانون، و ما نقوم به لمواجهته والوقاية منه، و خاصة الحد منه قانونيا كأدنى فعل يؤسس لدولة تريد أن تكون ديموقراطية، ومن بين أسس ذلك التشبث الفعلي بالحقوق الإنسانية.

كما تعرفون يترأس المغرب أعمال مجلس حقوق الانسان وفي شتنبر الماضي أطلق «المجلس الاستشاري المعني بالمساواة بين الجنسين، بهدف تقديم المشورة والاقتراحات بشأن تعزيز المساواة بين الجنسين والمناصفة، والمساعدة في إدماج منظور النوع الاجتماعي خلال فترة رئاسته.

هذا المجلس الاستشاري حول النوع ببعده الدولي، سيعتمد بروتكولات لمواجهة العنف وسوف يستدعي من الحزم وإرادة سياسية وعملا ميدانيا فعليا عبر السياسات العمومية والعمل على تامين فعلي لجميع الفضاءات التي تتواجد فيها النساء سواء ما نسميه الفضاء العام الخارجي أو الخاص الداخلي لأن الاثنين، مرتبطان خاصة عندما يتعلق الأمر بالقيم وببعض الظواهر الاجتماعية التي تتعدى جدران البيت.

بالحديث عن الأسباب نجد أنها قديمة جديدة لكنها تلتقي في نقطة واحدة، وهي أن العنف ضد النساء هو بنيوي يرتبط ببناء منظومة اجتماعية لها أبعاد معقدة متداخلة من سياسي اقتصادي اجتماعي، يرتبط بتوزيع السلط وبوضعيات اجتماعية التي تكون من حق كل مواطن ومواطنة. فعندما نتحدث عن القانون فنحن نتحدث عن المواطن والمواطنة قبل كل فيما يتعلق بالتمتع بالحقوق الإنسانية. لدينا قانون خاص بالعنف وهو يحسب للمغرب، لكنه  جاء مبتورا مما يفترض أن يكون عليه من مرجعية حقوقية مساواتية أساسية. لنتذكر انه كانت هناك ما يناهز خمس ديباجات، وكانت تدور حول المرأة والطفل والأسرة، وتعرفون ان العنف لا يتوجه للمراة فقط داخل الفضاء الأسري (العنف الاسري) ولكن العنف يخصها أولا كذات، كامرأة نحمل حولها تصورات معينة ونلبسها هده التصورات لتحتل وضعا معينا داخل المجتمع، وكان دائما مرتبطا بضرورة تجمع السلط بين يدي الرجال، بدورة استمرار الولاية على المرأة كيفما كانت.

هذا القانون جاء ضعيفا من البداية، وتم قبوله على أساس أنه مرحلي ستتم مراجعته وتنقيحه لا من حيث لغته القانونية التي تحمل إشكالات، أومن حيث مضامينه، لكن القانون دخل حيز التطبيق لكنه لم يفعل.يرتبط ذلك في نظري بعنصرين

الاول ان القانون يثير حراكا و ديناميات اجتماعية لأنه يرتبط بتجذر بعض الصور النمطية عن المرأة وبعض الممارسات الحيفية التي لا تاخذ شكل عنف مباشر،  لكنها عنف رمزي يومي انطلاقا من اللغة الى السقف الزجاجي و اللائحة طويلة.

كما ان هذا القانون لم يحظ بالحكامة فيما يخص التعريف والتحسيس به، بتطبيقه الإدماجي لكل الأطراف الفاعلة من جمعيات، ممثلي الصحة، للجوء اليه في حالات وجود نساء تعرضن للعنف الجسدي النفسي او حالات اغتصاب، فلم ترصد أي ميزانية للجانب التحسيسي البيداغوجي .

في المجال الوطني والدولي، في فضاء العمل، هناك نساء تعرضن لعنف قائم على النوع الاجتماعي وهن في مواقع حساسة وفي مجالات عمل تصل لشرائح واسعة من المجتمع مثل الفن والسينما، فكسرن الصمت، شاهدنا نساء حاملات لشعارات القضاء على العنف خاصة مع وسائل التواصل ، أشير هنا أيضا لرفع الصمت عن التحرش في الفضاء الجامعي وما يمكن ان أسميه الرشوة الجنسانية، وكانت هناك قضايا في المحاكم تخص التحرش الجنسي داخل الجامعات تطوان سطات..، فتمت معالجة هذه الملفات وكانت هناك عقوبات بما جاء به القانون من سجن ومتابعة للأساتذة المعنيين.

لا تزال ذاكرتنا تحتفظ بمشاهد من العنف الممارس على النساء في الفضاء العام «بمباركة» مجتمعية …هل هناك نوع من التطبيع مع العنف خاصة لدى الأجيال الجديدة؟

التطبيع فيما يتعلق بالعنف الاجتماعي، يجب تحديده أولا في مضمونه وفي طبيعة دوره داخل شلالات العنف القائم على النوع، فالتطبيع هو ميكانيكزم وآلية ضمنية تدخل في اطار فعل العنف في حد ذاته وفي اطار آثار العنف وثالثا في عنصر استقبال العنف من طرف الضحية ومن محيطها من البيت الى الحي فالمجتمع.

بمعنى لكي يعنف المعنف فهو ينطلق من تطبيع مع سبب العنف الذي يمارس على النساء، فالمغتصب له خطاب بشحنة جنسانية عنيفة تضع المغتصبة المعنفة في وضعية المسؤولة والجانية ومن الطبيعي اغتصابها بسبب مظهرها مثلا، فهناك تطبيع ميكانيزمي.

يتم استدماج التطبيع من الناحية الاجتماعية ومن التنشئة كمبرر للعنف، لذلك نحلل ونفكك كفاعلين الصور ة الخطاب و الفعل النمطي المبني على أفكار نمطية، ويفسر هذا الى جانب عناصر أخرى قضية الصمت عند المغتصبة وعند المعنفة، ويساهم في الإحساس بالذنب لدى الضحية، هذا المستوى من التطبيع يفسر الى حد كبير قضية التطبيع للعنف التي تستمر وتحد من نجاعة التدخل ومن نجاعة القانون. 

عنصر اخر يتعلق بالتطبيع وهو مرتبط بالتحولات الاجتماعية للمجتمعات المعاصرة من حيث العلاقات بين الجنسين والتمظهرات الجديدة للنساء والفتيات اللائي يتمتعن ببعض الحقوق الكرامة، الحرية الشخصية المضبوطة قانونيا ودستوريا في تداخلها مع الحريات العامة ، كذلك ومع تحرر النساء هناك تجذر و آليات تعميق دونية النساء كفكرة وفعل هو من خلال تشيئ جسد المرأة لان كل التمثلات تدور حول الجسد، وهذا العنصر هو عنف يخلق نوعا من الغموض حول بعد الحرية، فتشيء الجسد هو عنصر من منظومة العنف البنيوي.

هل التطبيع يعيق التطبيق الفعلي للقانون ؟

التطبيع ظاهرة نلحظها في مجتمعاتنا لكنه ليس قدرا، التصور العام لبرنامج معين للقضاء على العنف يجب ان يستحضر هذا المعطى ويستعين بالعمل ببروتوكولات محددة هي موجود ويجب تكييفها.

للقانون بعد تربوي بالإضافة الى ما هو عقابي موجه لمقترف الجريمة، ففيه درس لمن يمكن أن يقترف فيما بعد وفيه بعد يتعلق بمعرفة القوانين المواطنة.

قدم هذا التكريم بحضور شعراء من فلسطين وسوريا ومصر وإسبانيا والمغرب.
الأغنية من كلمات محمد أمير، وألحان لازارو، وتوزيع حمزة الغازي، بينما أخرجها يوسف أسواري.
رغم صدور قانون خاص بالعنف قبل سنوات، يواصل العنف بمختلف اشكاله امتداده في مختلف الفضاءات (خاص وعام)، تقدم الاكاديمية نعيمة الشيخاوي تحليلا للعنف المبنى على النوع الاجتماعي وقراءة لبعض مؤشرات التطبيع معه.