كمجلس الجالية المغربية بالخارج كيف تنظرون إلى المهاجرين في علاقتهم بالبلد الأم ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا؟
تم إحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج بظهير ملكي أواخر سنة 2007، وتمت دسترته سنة 2011.
ومن أهدافه الرئيسية: المساهمة في الدفاع عن المصالح المشروعة لمغاربة العالم في بلدان الإقامة، والسهر على تعزيز روابطهم الثقافية والروحية مع المملكة، فضلا عن مساهمتهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمغرب؛ والتي تتجلى في مجالات مختلفة، كما يجب تعزيزها بشكل ملحوظ كما دعا إلى ذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي ليوم 20 غشت 2022.
كيف ينطبع المغرب،اليوم، في ذاكرة مغاربة الخارج؟
أعتقد أنه للإجابة عن هذا السؤال لا بد من الأخذ بعين الاعتبار التحوّلات الجذرية التي عرفتها الجالية المغربية بالخارج في بضعة عقود.
هناك أولا، العولمة التي شهدتها الهجرة المغربية (بالرغم من أن 80 ٪ منها مستقرة في أوروبا)، ممّا خلق تنوعا استثنائيا ويُعقّد التعامل مع هذه الفئة: خَلْفَ الأصل المغربي المشترك، هناك جاليات متنوعة من حيث اللغة والتقاليد السياسية لبلد الإقامة، وأشكال الاندماج في المجتمع، وما إلى ذلك.
ثانيا، هناك ظاهرة التأنيث، وهي ظاهرة لا تزال غير مرئية بشكل كاف، ولكن بدأ التعامل معها بجدية بفضل عمل بعض الباحثين المغاربة. في الواقع، ومنذ عقود من الزمن، لم تعد النساء المغربيات يهاجرن فقط في إطار التجمع العائلي (بالرغم من أن هذه الظاهرة ليست هامشية). فالنساء يشكّلن ما يقارب نصف المهاجرين، وهن من يأخذ بشكل متزايد زمام المبادرة للهجرة.
ويُشكل الصعودُ بقوة لأجيال جديدة؛ وُلدت وترعرعت في بلدان الإقامة، اتجاها قويا أيضا. لم يعد الأمر يتعلق بالمغاربة المقيمين بالخارج بالمعنى الكلاسيكي للمصطلح، أي الذين غادروا كبالغين، بل أصبحوا -على نحو متزايد- مواطنين مزدوجي الجنسية، يعيشون، ولو بأشكال مختلفة انتماءهم المزدوج دون أن يُسبّب لهم ذلك أي إشكال. ومن التحديات التي تفرض نفسها بشكل رئيسي في البلدان الأوروبية، وبالنسبة لنا أيضًا، معرفةُ كيفية قبول ومرافقة هذا الانتماء المزدوج. وبشكل عام، فإن تجذَّر مغاربة العالم في مجتمعات إقامتهم هو معطى يكتسي أهمية كبيرة، وهو ما تؤكده مجموعة من المؤشرات؛ منها ارتفاع معدل تجنيس الجيل الأول من المهاجرين في العديد من البلدان الأوروبية.
هذه الديناميات الهجروية تسير جنبا إلى جنب مع تطور المستوى السوسيو-ثقافي لمغاربة العالم، ومع حركية متزايدة للكفاءات ذات المؤهلات العالية، وهو ما يشهد عليه النقاش الراهن حول الأطباء. في الواقع، يبدو أن حركية الهجرة تطالُ اليوم جميع الجهات وجميع الطبقات الاجتماعية في المغرب: فالهجرة ليست معطى من الماضي. إنه واقعٌ مستمر، والضّجّة التي تقومُ حول الهجرة غير الشرعية (الحْريك) تُغطّي على استمرار عمليات المغادرة التي تتم بمنتهى الشرعية نحو كندا، أو الولايات المتحدة الأمريكية، أو غيرها من البلدان المنخرطة في منافسة شرسة لجذب الكفاءات ذات المؤهلات العالية.
ومن ثَمَّ، لا يوجد «مهاجر» مغربي واحد، بل «مهاجرون»، مرتبطون بروابط مُكوَّنة من تواريخ جماعية (عائلية على سبيل المثال) وخاصّة ومشتركة وفريدة في آن واحد. وتعكس انتظاراتهم بشأن لمّ الشمل تنوعَ مساراتهم وتطلعاتهم. ومن الواضح أن مهاجر الجيل الأول الذي يعيش في إيطاليا منذ حوالي عشرين عامًا ليست لديه نفس الانتظارات كالشاب الذي ينتمي إلى الجيل الثالث بهولندا. كما أن تجربتهم في الإقامات السابقة والاستقبال الذي تلقوه مهم أيضًا.
هل تأثرت نظرة الآخر إلى البلد في توجيه مواقف المهاجرين نحو تجاوز نمطية الصورة عن بلده؟
هناك في الحقيقة تصورات خاطئة عن البلد الأصلي لدى بعض المهاجرين المغاربة، مثلما توجد لدى فئات من المجتمع المغربي تصورات قديمة عن ماهية المهاجرين. فمن ناحية، هناك من يُفكّر في المغرب كمجتمع غير متقدّم، ومن ناحية أخرى، هناك من لا يلاحظ التحولات التي تعرفها الجاليات المغربية. في الواقع هذان الجانبان في حركة وتطور. إن المغاربة في الخارج يدركون جيدا الديناميات المغربية، وهم فخورون بها أكثر عندما يرونها موضع الثناء من قِبَل المجتمعات التي يقيمون فيها. وفي هذا الجانب، يرى المغاربة بوضوح التحولات التي تشهدها الجاليات وتنوعها المتزايد حسب البلد والوضع الاجتماعي والنوع.