يعود تاريخ احتفال المغاربة بذكرى المولد النبوي الشريف إلى قرون عديدة، وذلك كل سنة في الشهر الثالث من التقويم الهجري، وهو شهر ربيع الأول. تعتبر هذه الاحتفالات جزءا هاما من التراث الثقافي والديني للمغاربة، كما تعكس العلاقة الوثيقة بين المجتمع والدين الإسلامي.
وتتميز احتفالات المغاربة بذكرى المولد النبوي الشريف، بمجموعة متنوعة من الأنشطة والممارسات، حيث يتم تزيين الشوارع والمنازل بالزينة والأضواء، وتنظيم المسيرات والمسابقات الدينية والثقافية. كما تقام المجالس العلمية والدروس الدينية لتعزيز المعرفة الدينية والفهم الصحيح لسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. بالإضافة إلى ذلك، يتم تقديم الطعام والحلوى للزوار والفقراء، إلى جانب الفعاليات الاجتماعية والثقافية التي تجمع الأسر والأصدقاء.
ومع ذلك، يثار جدل متجدد حول تحريم هذه العادة. وتعود جذور هذا الجدل إلى الاعتقادات والتفسيرات المختلفة للنصوص الشرعية في الإسلام. فبينما يرى البعض أن احتفال المسلمين بذكرى المولد النبوي الشريف يعبر عن حبهم وتقديرهم للنبي محمد ويعزز الوحدة الإسلامية، يرى آخرون أنه يعد تعديا على الشرع وتقديسا غير مبرر لشخصية النبي.
وتنوعت الآراء والمواقف في هذا الصدد، حيث تتباين الأراء بين السماح بالاحتفال بهذه المناسبة والاعتبرها عبادة مشروعة، وبين التشديد على تحريمها واعتبارها بدعة دينية. ويقدم المعارضون لهذه الاحتفالات حججًا متنوعة، مثل عدم وجود مصداقية تاريخية لهذا الحدث أو تجاوزها للحدود المحددة في الشرع الإسلامي.
من جهة أخرى، تعمل الجهات الدينية والسلطات المحلية في المغرب على إدارة هذا الجدل وتنظيم الاحتفالات بذكرى المولد النبوي الشريف بشكل يحترم الأصول الدينية والشرعية. وتتمثل جهودهم في توفير الإرشاد الديني والتعليم السليم للمجتمع بشأن هذه المناسبة، وتنظيم الفعاليات الدينية والثقافية التي تلبي احتياجات المجتمع المحلي.
وفي هذا الصدد، نشرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، على موقعها الإلكتروني، “بحثا مختصرا” يُعبّر عن “الموقف الرسمي” من الاحتفال بهذه الذكرى، تحت عنوان “تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في المغرب”،
وأوردت الوثيقة، التي كتبها محمد التهامي الحراق، بأن احتفال المغاربة بعيد المولد النبوي الشريف بدأ منذ أزيد من ثمانية قرون، حيث كان أبو العباس العزفي السبتي المتوفى سنة 1236 ميلادية أوّلَ مَن دعا إلى الاحتفال به.
وخلص التهامي الحراق في بحثه، إلى أن من مرامي امتداد وازدهار وتوهج الاحتفال بالمولد النبوي في المغرب، رسميا وشعبيا، على قرون، “استدامةُ الفرح بالمصطفى صلى الله عليه وسلم لما فيه من عظيم المكارم وسمي الآثار ورفيع المقاصد؛ وهو ما جعل المغاربة يتمسكون بهذه السنة الحسنة ويتفنون في الاحتفاء بها وإحيائها”.
وردا على الرافضين للاحتفال بالمولد النبوي، قال الحراق: “اليوم، وبسبب رياح دخيلة “غير لواقح” هبّت على المشهد الثقافي الديني بالمغرب، ظهرت نزعة تشكيكية جذرية في شرعية هذا الاحتفال وسموّ مقاصده، أصبحنا نحتاج معها إلى التذكير ببعض أصول ومقاصد أجدادنا في هذا الاختيار الرشيد والسديد، الذي لم يكن رشده ولا سداده بلا ولا نبوغه، إلى وقت قريب، في حاجة إلى شرح أو بيان”.