المغاربة والقراءة… الأسئلة الجديدة

كثيرا ما طرح سؤال المغاربة وعلاقتهم بالقراءة، وكثيرا ما كانت الإجابة تاكيدا ل « أزمة» وخوضا في لجج من الأسئلة حول صعوبة خلق مجتمع قارئ.تحتفظ الكثير من الأسئلة براهنيتها في الحالة المغربية، غير أن معطيات أخرى تدعونا الى الانتباه الى المتغيرات الطارئة في ما يحدث وراء علاقة المغاربة بالكتاب والقراءة.

لربما كان هذا الموضوع، سيعيد طرح نفس الأسئلة عن علاقة ملتبسة بين المغربي والقراءة، ولربما كان سيقودنا الحديث أو الشهادات الى حيث يفترض أن يكون الخلل، حيث التربية على القراءة في حدودها الدنيا، وحيث كلفة الكتاب وسؤال القرصنة، وحيث جدوى السياسات الثقافية التي لا تشجع ولا تستثمر في القارئ المستقبلي…لولا أنه حدث ما يمكن أن يدفعنا الى عدم اجترار الأسئلة، والى مواجهة احتمالية خطأ التوقعات والتشخيص الذي كثيرا ما تحدث عنه المشتغلون بالثقافة والكتاب. ومقابل خطاب «أزمة القراءةأو المقروئية»، برز خطاب مازالت القراءة ممكنة، وهناك جيل قارئ، وشهية القراءة يلزم فهمها واستثارتها وفق المتغيرات الجديدة.

نظمت وزارة الثقافة الدورة 29 من المعرض الدولي للكتاب، كان برنامج الدورة غنيا بالأنشطة التي حاولت الاستجابة لسقف توقعات الناشرين والمبدعين والجمهور،  لكن لقاء  بين الكاتب السعودي أسامة المسلم وقرائه جعل الدورة تنحو نحو صفة الاستثناء…فقد جاء مئات القراء من مختلف المدن للقاء كاتب لا يعرفه الإعلام ولا النخبة الثقافية بالمغرب، ولم يسبق لحفل توقيع كتاب أن حظي بكل هذا الإقبال والتدافع الجماهيري ، وممن؟ من فئة الشباب الذين يعتبرهم الجميع منصرفين عن القراءة ولا يمثلون إلا النزر اليسير من طلاب المعرفة بين صفحات الكتب.

تناسلت الأسئلة عن الكاتب ، عن جمهوره العريض  عن نوعية كتاباته عن الوسائط التي استثمرها بذكاء، وعن شعب القراء الذي يسكن السوشل ميديا، وعن أشكال جديدة من القراءة وعن قارئ جديد وكاتب جديد وكتابة أخرى تنتمي لسياقات أخرى.

سيقلب هذا الحدث أسئلة القراءة، وسيعاود طرح أسئلة جديدة من قبيل ماهي نسبة القراءة اليوم في سوق جديد  لتداول الكتاب، من هو القارئ اليوم؟ كيف يقرأ القارئ اليوم؟ وليس ماذا يقرأ ؟ هل عوض فعل المشاهدة فعل القراءة؟  وهلم جرا من اسئلة أيقظت المطمئنين إلى تشخيص أزمة المقروئية.

 مصالحة مع الكتاب ؟

في الوقت الذي رحب الكثيرون بالاهتمام، ولو مناسباتيا، الذي أبداه الشباب بمعرض الكتاب، معتبرين ذلك  مؤشرا جيد ، فهو يعني أن القارئ موجود..

اعتبر اخرون أن ذلك لا يعني أبدا وجود مصالحة مع الكتاب، فقد طرحت الشاعرة دامي عمر مؤشرات أخرى «كيف نتحدث اليوم بكل تفاؤل عن عودة الشباب إلى القراءة وقد تابعنا توقيعات لم يحضرها أحد ؟

«لقد اشتغلت بالتدريس عمرا ، وكان من اهتماماتي توفير الكتاب لتلاميذي ، إما بإغناء المكتبة وتشغيلها وتنظيم فضائها ،أو بخلق مكتبة القسم ، و تنظيم مسابقات في القراءة ، و بهذه النية تحملت مسؤولية رئاسة فرع شبكة القراءة..وكل هذه الجهود المضنية لم تسفر عن مصالحة عامة مع الكتاب والكتاب ،ولا أدعي أنني بلغت من اهدافي قمتها .

فكيف نتحدث اليوم بكل تفاؤل عن عودة الشباب إلى القراءة وقد تابعنا توقيعات لم يحضرها أحد ؟

و أنشطة قرائية لم تلق قبولا ولا إقبالا إلا من طرف المعارف والأصدقاء ..نحنأمام ظاهرة خطيرة لم تشارك فيها وسائل إعلامنا التقليدية ، ولم تؤطرها جمعياتنا و لم يتوقعها أحد «.

ما حصل من ازدحام بالمعرض، لحضور نشاط ثقافي للكاتب السعودي، يضرب مقولة ما يسمى»أزمة القراءة» في العمق، والرأي للكاتب عبد الدين حمروش الذي أشار « أن التعليقات التي واكبت الحدث، على الأقل في ما نشر من تدوينات على الفايس، ذهبت مناحي متعددة: منها ما أرجع كتابات مسلم إلى الخيال العلمي (وإلى السحر والشعوذة)، المطلوب من قبل فئات واسعة من اليافعين، ومنها ما أرجعها إلى بساطة لغتها وأسلوبها، ما جعلها مندرجة في إطار «ثقافة الضحالة»، ومنها ما وقف فيها أصحابها حائرين في تفسير الظاهرة ككل».

 القارئ المتطلب

ليس أفضل من أهل مكة للسؤال عن أحوالها، لذلك سألنا الناشرة نادية السالمي عن المزاج المغربي للقراءة، خطأ كبير تصف به نادية ما يقال عن كون المغاربة لا يقرأون..متسائلة عن مصدر الأرقام التي تقول بأن المغربي يقرا دقيقتين في اليوم مثلا ، أو  الاحكام.التي تعتبر المغربي شعبا غير قارئ، فالقارئ المغربي موجود لكنه يطلب الجودة، وتضرب نادية المثل بمهرجان الآداب المرتحلة الذي تشرف على تنظيمه سنويا «خلال ساعتين من الزمن نستقبل 14 الف زائر ونبيع الكتب والكثير من التوقيعات»، القارئ موجود اذن لكنه متطلب، والدليل بالنسبة لنادية هو وجود مؤلفين لهم كتب تستطيع جذب القارئ من حيث الموضوع و المضمون.

سوال الجودة فيما يكتب، ثم سؤال الاستجابة لما يناسب القراء وخاصة فئة الشباب هو أكثر ما تشير اليه الشهادات التي استقتها نساء من المغرب، فللقارئ الجديد له طقوس جديدة في القراءة، وعلى الكاتب أن يعرف كيف يستجيب لذائقته التي ستتطور مع توالي وتاريخ القراءة .

البعد الاقتصادي له أيضا جانب مؤثر في سؤال المقروئية، فالأثمنة التي تباع بها الكتب الإبداعية خصوصا لا تزال مرتفعة، هذه الخلاصة أشار اليها وزير الثقافة خلال الندوة التي خصصت للإعلان عن معرض الكتاب، فقد اعتبر الوزير أن إشكالية القراءة في المغرب لا تعود إلى عدم الرغبة، بل إلى ارتفاع أسعار الكتب، التي تعمل الوزارة على دعمه استنادا إلى أهمية الثقافة بشكل عام، وضرورة جعلها متاحة للجميع من خلال سياسات تراعي القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة.

مات المؤلف عاش الراوي، عاش البوكتوبر

يقول لنا  عبيد الهراس، طالب بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، «الشباب يقرأون لكنهم يختارون نوعية القراءة التي ترضيهم مثل روايات الفانتازيا، او كتب التنمية الذاتية «ان هذا الجيل يعاني شرخ عاطفي وفكري، وهو يبحث في مواقع التواصل عن وصفة كيف يمكن ان تكون مؤثرا كيف تكون ناجحا كيف تكون كاريزميا، مواقع التًوصل لها تاثير على استقراره النفسي، ولذلك فهو يقرأ من خلالها، أو يتعرف على الانتاجات من خلالها».

 مات المؤلف عاش الراوي فليسمح لي المفكر الألمعي سعيد يقطين بهذه الاستعارة من عنوان كتابه، التي سأضيف اليها عبارة عاش البوكتوبر، فإذا عرفنا ان الفئة المعنية بالقراءة اليوم، تقرأ بوسائط جديدة، فالشباب الذين جاءوا للقاء الكاتب اسامة مسلم تعرفوا عليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدا من خلال يوتوبر مغربي يحكي القصص والروايات. الراوي شخصية محورية في كل ما حدث، انه كاتب اخر للروايات، لكنها كتابة صوتية مبنية على  السرد والحكي. ساهم المغربي بيرمون عبد الله في شهرة الكاتب ووصوله إلى القراء، تخصص في رواية القصص الخيال والفنتازيا مع إدماج المؤثرات الصوتية..  انه نوع من الإخراج الفني لقصص تنتمي أصلا لعالم الرواية والكتابة .

جيل جديد يقرا بطريقة أخرى…هي الخلاصة التي يؤكدها لنا يوسف»فمشاهدة لقطة أو فيديو  قد تدفعه لشراء الكتاب «.

 تدفع زهور كرام الناقدة والجامعية  بعبارة « أزمة  قراءة» بعيدا، معتبرة السؤال مستنسخا ومكررا وفي منتصف 60 كان هناك حديث عن ازمة قراءة.. اليوم أصبح  شكل القراءة مختلفا من خلال الحوامل و الشبكة فمساحة تجليات الكتابة متعددة ولا يمكن الاحتفاظ بمفهوم القراءة انطلاقا من  وسائط تقليدية كدار النشر الطباعة  التوزيع..

تسائل زهور كرام  الاحصائيات « اصدار حكم على القراءة تبدلت شروطه، لم نعد نعتمد فقط على  نسبة الإصدارات، الطبع والبيع والمرجوعات هدذه مؤشرات لم تعد نافعة اليوم دخلت مؤشرات أخرى للقراءة الالكترونية  فأغلبية الروايات العالمية  يمكن  للقارئ ان يتم تحميلها من الشبكة  بالتالي فهي مقروءة بشكل كبير».

لدينا قارئ جديد بملامح جديدة؟

تغير مفهوم القراءة تغير ليس القراءة الافقية العمودية بل الشبكية الرقمية التي تتحكم فيها خيارات خوارزمية ، تغير الانسان في العالم الافتراضي بالتالي حتى مفهوم القراءة تغير مفهوم الكتابة والتاليف تغير مفهوم النص تغير كل هذه الأشياء تغيرت ويجب ان ننتبه لهذه المؤشرات.

 مبادرات لتشجيع القراءة

بلغ عدد زوار المعرض الدولي للنشر والكتاب خلال دورته 29 أكثر من 316 ألف زائرة وهو ما يعادل زيادة إجمالية بنسبة 32% مقارنة مع عدد زوار الدورة السابقة. كما عرف هذا الموعد الثقافي مشاركة 743 عارضا من 48 دولة، وقدم للقرّاء 100 ألف عنوانا، في 3 ملايين نسخة، مع نقاشات تخللت 241 فقرة، هذه الدينامية بالنسبة ليوسف ايت السي بلا ، طالب في الاعلام وصحفي شاب، هي المناخ المناسب لتشجيع المقروئية…لكنه يعود الى الخطوات الاولى التي يمكنها أن تصنع القارئ وتقودنا يوما لمجتمع قارئ..التشجيع على القراءة يبدأ في السنوات الاولى للطفولة، لتنمية الوعي، وهو مشروع لا يبدأ وينتهي مع الأحداث الثقافية، بل يتطلب الاستدامة» يستحضر يوسف  عددا من المبادرات ومنها المشروع الوطني للقراءة الذي جعلنا نكتشف قراء بمستويات وعي مدهشة لدى الصغار واليافعين. عن نفس المشروع يتحدث عبد الحق صبري «يروم المشروع الوطني للقراءة تحقيق سبعة أهداف محورية، تتمثل في:

• تنمية الوعي بأهمية القراءة لدى المجتمع المغربي لتحقيق المشهد الثقافي المنشود

•تمكين الأجيال من مفاتيح الابتكار عبر القراءة الإبداعية الناقدة المنتجة للمعرفة

•تعزيز الحس الوطني والشعور بالانتماء عبر دعم القيم الوطنية والإنسانية

•إثراء البيئة الثقافية في المدارس والجامعات بما يدعم الحوار البناء والتسامح وقبول الآخر ، تشجيع المشاركات المجتمعية الداعمة للقراءة، العناية بكتب الناشئة عبر إثراء المكتبات ورفع جودة المجتمع والإخراج، تقديم مشروع ثقافي نموذجي مستدام قائم على أسس علمية لتشجيع مشروعات مماثلة.

لا سكينة ولا رحمة بينهم. كل وصايا المعاشرة الطيبة وبالمعروف مجرد صيحة في واد آسن. العنف إيقاع يكاد يكون يوميا. وجولاتهما فيه تضع عنفه وردة فعلها في ميزان التقييم : سلوكه عدواني يصل بعضه إلى إحداث عاهة مستديمة وأقصاه عنف مميت. «عنفها» رد فعل على سلوك تحركه ثقافة ذكورية بائدة يبررها هو ب: نضربها وما نخلي شكون يضربها.
يتجاوز خطورة تأثير العنف على المتاعب الجسدية والنفسية أو التأثير اللحظي للعنف، حيث يتحول إلى دائرة لا تنتهي من العنف المتوارث، فعندما يستأنس الأبناء مشاهد العنف وتتحول إلى مشاهد اعتيادية تصبح جزء من مخزونهم الثقافي والسلوكي، طرحنا السؤال على الأخصائية النفسية أمل سبتي، والتي رسمت لنا الطريق الذي يسلكه معظم أبناء العنف.
كشفت المنتجة المغربية كريمة أولحوس عن إصدار أحدث أعمالها الفنية، وهو الفيديو كليب "أصلي أنا" للمغنية الفلسطينية الأردنية زين، إذ يعد هذا العمل لوحة بصرية وموسيقية تحتفي بالهوية الثقافية الفلسطينية، ويمثل إضافة نوعية لمشوار أولحوس الذي يجسد نجاحا مشرفا للمرأة المغربية والجيل الجديد في مجال الإنتاج الفني والسينمائي.