في تحليلات البعض، يعتبرونه شكلا من أشكال “الفساد المقنع”، إذ شروط الزواج الصحيحة تغيب عنه كليا حتى ولئن كان منطق بعضهم يقود إلى الاستعانة البليدة بالمثل العامي “الزواج بالنية والحرث بالنية”، ولأن الإثبات هو الفاصل بين الإدعاء والحقيقة، تتحول النية إلى عنصر اتهام عندما يخلي طرف بالتزاماته دون الحاجة إلى العودة للمؤسسات لإخلاء ذمته من الارتباط، كون الذي نشأ خارج المؤسسة المكلفة بالعلاقات ينتهي دون الحاجة إلى تدخل ذات المؤسسة، هو واقع حال مريم، سلامة، حسنا وأخريات ..فتيات يجمع بينهن المجال المحسوب على الهامش بدوار دراعو بتيفلت وسيد الطيبي بمدينة القنيطرة ، مثلما لا يفرق بينهن ارتباط جاء لإصلاح خطأ ما، أو لتسريع انتساب البنت لعشيرة المتزوجات، فتراكمت أخطاؤه ونتائجه التي لم تغتل إرادة الفرد في دخول مؤسسة مسؤولة فحسب، بل قدمت المؤشرات الأولى عن علاقات غير متكافئة من جهة وزواج غير معترف به من جهة ثانية .
الفاتحة باش نمسحو العار
دوار دراعو، في تسميته العامية ما يدل على أن ترتيبات العيش فيه تخضع لفوضى القوة التي يحيل عليها “الدراع” أو الساعد، مجال هامشي بمدينة لا تبعد عن العاصمة الرباط إلا بأربعين كلمترا، لم يعد مجرد مجال سفه الفقر علاقات ساكنته بتطور المجتمع المغربي، وبالتغييرات التي عرفتها مؤسسة الزواج تحديدا، بل إن الانتقال للحياة الزوجية يخضع فيه لمرونة الفاتحة والنية فقط، حتى بات الزواج هو فرصة الكثيرات لتغيير العتبة بعتبة أخرى كما قالت إحداهن، فيما الوضعية والحالة النفسية تبقى على حالها إذا لم تسوء عن ما كانت عليه.
مريم 20 سنة كسرت كل قطيعة بين زواج البارح واليوم وهي تدخل علاقة زواج غير قانونية في سن 12 سنة، المباركة كانت بقراءة الفاتحة كدليل على تخطي عتبة “الزواج الحرام” ولو من دون عقد الزوجية، في مثل حالتها تسريع الارتباط بمغتصبها هو بداية مسح العار عن الأسرة كاملة، وتمكين الطفلة من صك غفران اجتماعي يشهد لها بأنها “دوزات لفريضة” حسب قناعات مجتمع يمسح العار بعار أعقد منه، لذلك تقول سناء أن ما جرى لم يشعرها بتحول في مراحل حياتها كما يحدث عادة في مناسبات الزواج، بل إن الشعور بأنها في مهمة تسمح للمحيط بالاعتراف بها رغم أنها اغتصبت باستعمال السلاح الأبيض جعلها تشعر بالإهانة والاستصغار، ومقدمة هذا الإحساس هو رغبة أسرتها في أن يصير المجرم صهر حقيقي عبر إلزامها بمشاركته سقف زوجية واحد، ” زوجني القاضي منه كوسيلة للهروب من العقاب الناتج عن اغتصابي، انتقلت للعيش معه في بيت أسرته الكبيرة، بعد مدة قصيرة سفرته والدته إلى اسبانيا من أجل الفصل بيننا، فيما تحولت إلى خادمة في بيت عائلته، عدت إلى بيت أسرتي مصرة على الطلاق الذي طالت مدته في انتظار فصل المحكمة، اضطررت بعدها للزواج بالفاتحة مرة ثانية دون الحصول على طلاقي، كون هذه الخطوة هي أيضا هروب من سوء فهم المحيط الذي يرمي المطلقة بسهام الاتهام والتشكيك، أنجبت طفلين هما الآن بدون أوراق إثبات ولا دفتر الحالة المدنية، تبعات كل ذلك أنهم بدون دراسة، فيما وضعي مازال معلقا حتى يرضى زوجي على توثيق زواجنا”.
مقدمة أخطاء
في مربعات الجهل والفقر معا يتقوى العجز عن تحصين النية في الزواج الصحيح بالإطار القانوني، إذ النيات تبقى معرضة للاهتزاز في قلب التعايش اليومي بين من جمعت بينهم حوادث وقضايا تصل إلى المحاكم أحيانا قبل التوافق على الارتباط، لذلك لا يصعب في قلب أزمة مواصلة الحياة الزوجية الاعتراف بسوء الاختيار، ولا تأكيد العجز عن تدبير الحياة المشتركة من قبل المحسوبين على الطفولة، من ثم يبقى الجمع بين القانوني والنية متعثرا في حسابات الكثيرين كون التقليد يغلب كما يغلب الطبع على التطبع، والنتيجة أبناء خارج سجلات الحالة المدنية، ونساء خارج كل التبعات القانونية للزواج الصحيح كالإرث مثلا.
الاستثناء هو القاعدة
لا نبض في “دوار دراعو” إلا نبض الشكوى حين يبادر بعض ساكنته إلى القول بأن الاستثناءات فيه تحولت إلى قاعدة، والنتيجة زواج مقنع، واستثمار غير واع في أطفال من دون نسب، ولا معترف ببنوتهم في دفتر السجلات الخاصة، وضعية لا تتعارض فقط مع كل المبادرات التي فتحت لتوثيق الزواجات غير الموثقة، بل حتى مع التغييرات التي تعززت بدستور جديد يراهن على المجتمع الحداثي لتحقيق الانتقال، لكن للأسف ظواهر المجتمع تعكس تأخرا كبيرا في بلوغ تنمية بشرية حقيقية، تنزع إلى تغيير عاداتها التي أدارت عجلات المجتمع في اتجاه التأخر وهو يعكس بلغة الأرقام نسب ثبوت الزوجية ارتفاع بصفة غير منطقية من 6918 حكم خلال سنة 2004 إلى 23057 حكم سنة 2013، مما يعني أن زواج الفاتحة يشكل واحد من أشكال الزواجات التي عززت الظواهر الاجتماعية المخجلة: زواج الكونطرا ، الزواج العرفي …
زواج الفاتحة ضد المؤسسات
السعدية، ابنة دوار سيد الطيبي الذي ارتبط في فترة بظاهرة “زوجتك نفسي”، امرأة ضيع ارتباكها كل التفاصيل عن سنة زواجها الذي غابت عنه طقوس الزواج وشروطه، ما تتذكره هو :” كنت صغيرة”، زواج أثمر ثلاث بنات لا انتساب لهن بالأوراق التبوثية لأب لم يختر الزواج القانوني بل الزواج بالمعاشرة والمساكنة فقط في مجال يحكمه التطرف الذي لا اعتراف فيه بالمؤسسات، لذلك ظلت السعدية على مدة عشر سنوات من ارتباطها بتاجر متنقل بدون وثيقة تنسبها للمتزوجين حتى ولو كان ناس الدور يعرفون بزواجها، إذ الفاتحة كانت فاتحة زواج خطأ تمادى في تجميع أخطاء تابعة له بلغت به درجة التقاضي الذي ألزم الزوج بتوثيق زواجه ، لكن لا شيء تم على أرض الواقع بعد أن تحولت العلاقة بين السعدية وزوجها إلى عناد وتهرب من المسؤولية من قبل الزوج، “هو خدا الأمر عناد، مبغاش يكتب العقد ويعترف بولادو حيت مزوج مرا اخرى بنفس الطريقة” .
شماعة الفقر
القطع مع زواج الفاتحة فرض في التعديل الدستوري الأخير تخصيص فصل كامل من أجل توثيق الزواجات غير الموثقة كمقدمة لإصلاح خلل اجتماعي كبير، وعلى مدى عشر سنوات تم تمديد العمل بذات الفصل مرتين، غير أن معالجة الوضع أنتج وضعا أفظع منه بلجوء الراغبين في التعدد إلى ذات الفصل لتحقيق أمانيهم، لذلك تصاعدت أعداد الزواجات من القاصرات حسب التقارير المقدمة من قبل الجمعيات العاملة في قضايا النساء بالمغرب وأيضا من قبل المندوبية السامية للتخطيط، واعتبارا لكون الوضع حمال مشاكل لا تقتصر على طرفي العلاقة الزوجية،
الأسباب تختلف بين المعنيين والمشتغلين عن الظاهرة، إذ الفقر بالنسبة للفئة الأخيرة هو شماعة فقط، لذلك اعتبرت نجاة إخيش رئيسة مؤسسة “إيطو” هذا الوضع هو نتيجة عدم إدراك الأسر لتبعات الزواج العرفي، وما يثيره من مشاكل قانونية، وأيضاً إلى تداعيات زواج القاصرات الذي تتحكم فيه سلطة التقاليد المتمكنة من سكان المناطق النائية، فيما لم تخل سبيل مسؤولية الآباء لتفريطهم في حقوق بناتهم وهو سبب لا يسقط الوضعية الاقتصادية من حسابات انتشار زواج الفاتحة.
خارج السياق
الوضع الشاذ
كل الحالات تعكس في تجربتها وجود تعارض ما بين المستوى النفسي والعقلي وحتى الجسماني بين الزوجة الطفلة، والزوج الراشد، إذ زواج الفاتحة غالبا ما يفرضه السن غير القانوني للزوجة، حيث أقل من 18 سنة مرفوض قبول زواجه إلا في حالات مكفول للقاضي البث فيها، واعتبارا لهذا الاختلاف، يرى الأستاذ عبد الكريم بلحاج اخصائي في علم النفس الاجتماعي أن : من الصعوبات التي تعترض الزوجة الصغيرة السن بعد دخول تجربة الزواج هي عسر الانتقال من فئة الأطفال إلى النساء، ومن فئة الاستهلاك إلى الإنتاج، إضافة إلى صعوبة التواصل لتدبير العلاقة مع زوجها، هذا يجعل الحميمية تغيب لفائدة ما هو وظيفي.”
حالة من الفوضى تنتج عن زواج الفاتحة الذي لا يحتاج في الانتقال إليه إلا تأكيد النية في الزواج دون الحاجة إلى الانتماء بالقانون الى نظام المجتمع، وهو الاختيار الذي لم يقدم شيئا على الهامش إلا ملفات عالقة من أجل ثبوت الزوجية، أو دعاوي الاعتراف بالبنوة، وهو ذات الطريق الذي سلكته الغالبية بعد استحالة العشرة، لكن إجراءات إثبات العلاقة وحتى بنوة الأبناء تبقى متعلقة بعناد يدخل كل سيناريو القضية مجريات أخرى.