في فجر يكسوه حزن ثقيل، اليوم الجمعة، اختطف الموت أحد فرسان المسرح المغربي، محمد الشوبي، بعد صراع مرير مع المرض، عن سن يناهز 63 سنة، ليخسر الفن المغربي أحد أعمدته الأصيلة. رحل الفنان تاركا وراءه إرثا فنيا غنيا، بعدما حول المسرح هتافا، والكاميرا قصيدة، والكلمة موقفا. غادر بجسده، لكن أدواره ما زالت تحاكي الضمير الجمعي للمغرب، كشخصيات نحتت بإزميل الألم والجمال.
من مراكش.. حيث تبدأ الأسطورة
ولد الشوبي في مراكش عام 1963، في مدينة تختزل السحر والتراث والحكايات. هناك، بين أزقتها العتيقة، تنفس أولى أنفاس الفن، واختبر قوة التحول من متفرج إلى راو، ومن هاو إلى فنان يمسك بخيوط اللعبة. كانت الخشبة مبكرا ملاذه، فانضم إلى مسرح الهواة، ثم انتقل إلى المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، حيث صقل موهبته بالتعليم الأكاديمي.
المسرح.. الوطن الأول
لم يكن الشوبي ممثلا عابرا، بل كان حارسا للخشبة. قدم عروضا أصبحت علامات في المسرح المغربي: “صوت ونور” للطيب الصديقي، و“الحصار” لمولاي الحسن إدريسي، و”خربوشة” لحبيب لصفر، و“الباب المسدود ” ليوسف فاضل. كمخرج، لم يكن أقل جرأة، فأخرج أعمالا مثل “ارتجال” و”هستيريا” و”المدينة والبحر” و”حروف الكف”، مثبتا أن الفن رسالة قبل أن يكون حرفة.
عبر الشاشة.. بصمة لا تنسى
من المسرحِ إلى السينما والتلفزيون، حمل الشوبي نفس العمق. في أدوار من أبرزها “محمد الحياني”، و”مسحوق الشيطان” و”المجدوب”، و” علام الخيل”، و”مول لمليح”، و”هاينة”. وفي السينما، أدى محمد الشوبي أدوارا في العديد من الأفلام، منها “ملاك”، و”موت للبيع” و”ألف شهر”، و”دقات القدر”، و”طريق العيالات”، و”السمفونية المغربية”، و”جوق العميين”. كان حضوره يضفي مصداقية على العمل، كأنه يقول للجمهور : “هذا أنتم.. وهذه قصتكم.”
المرض.. المعركة الأخيرة بكرامة
قبل رحيله، عاش الشوبي أياما صعبة في المستشفى العسكري بالرباط، حيث تدهورت حالته الصحية بسبب مضاعفات خطيرة في الكبد. واجه المرض بصمت الفنان الشجاع فيما أطلق أصدقاؤه وزملاؤه نداء عاجلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بحثا عن متبرع ينقذ حياته، لكن القدر كان أسرع. .
الرحيل.. جسد يغيب، وفن يخلد
في 2 ماي 2025، أغمض الشوبي عينيه للمرة الأخيرة، تاركا إرثا من الأدوار التي تذكرنا بأن الفن الحقيقي لا يموت. رحل بجسده، لكنه بقي في ضحكة “مول المليح”، في صمت “جوق العميين”، في ثورة “المجدوب”.