مارس هو الشهر الذي يتردد فيه صدى أصوات النساء بقوة وتكثيف خاص… إنه الشهر الذي يقف فيه العالم عند ما تحقق، وما لم يتم تحقيقه، بأشكال متعددة من التخليد منها الاحتفاء، ومنها الاحتجاج، التقييم، والتذكير بالتزامات الدول والمنتظمات الأممية فيما يخص الحقوق الانسانية للنساء.
في سياق ذلك، سيعرف هذا الشهر انعقاد الدورة 69 للجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة، من أجل تقييم المجهودات المبذولة لإعمال برنامج عمل المؤتمر العالمي الرابع للمرأة المنعقد في بيجين، بعد مرور 30 سنة من انعقاده، وهي التقييمات الدورية التي تسلط الضوء على وضعية النساء عالميا.
وفي هذا العدد من «نساء من المغرب»، يحمل مارس دلالة خاصة، إنه شهر يحتفي بالنساء، اللائي يناضلن كل يوم، واللواتي قد لا نسمع الكثير عن قصصهن، لكن تأثيرهن كبير على محيطهن.
من جهة أخرى يصادف مارس إحياء شهر رمضان، كفرصة للتحرر والتأمل والعلاقات مع الآخرين…لحظتان مهمتان، رغم الاختلاف بينهما، إلا أنهما تتقاطعان في نفس الدافع : الصمود والتغيير.
لا تكتفي النساء المغربيات اليوم باختراق السقوف الزجاجية، بل تُعِْدْنَ تشكيل ملامح المجتمع، يقاومن ليس فقط من أجل أنفسهن، ولكن من أجل أجيال أخرى قادمة من النساء. بعضهن صنعن التميز في مجالات كانت ،تقليديا، حكراعلى الرجال، فيما حولت أخريات الألم إلى التزام، ومنهن ورغم قسوة الحياة اليومية التي تكبلهن، تتمكنّ من اكتشاف قوتهن الكامنة والمواصلة بكل شجاعة.
في هذا العدد الخاص بشهر مارس، اخترنا تسليط الضوء على نساء من مختلف المجالات، للاقتراب من كفاحهن ومعاناتهن وتحدياتهن، نوع من التكريم الرمزي لنضالاتهن اليومية،لا يتعلق الأمر هنا بنزوع نحو النظر اليهن كضحايا، بل من خلال بعد آخر وطاقة جديدة هي طاقة التأثير الواقعي والتغيير الملموس ورفض الجمود.
ففي عالم لا تزال تهيمن فيه الفوارق، سواء كانت اقتصادية، اجتماعية أو ثقافية، تسبح الكثير من النساء عكس التيار لتجاوز الحواجز، وسواء كانت أما عازبة تكافح من أجل مستقبل أطفالها أو امرأة تكسر القوالب النمطية في مجال يهيمن فيه الرجال، أو زوجة ترفض الصمت أمام العنف الزوجي، تطمح كل واحدة منهن، بطريقتها، إلى حياة تعيشها بكرامة وحرية، وبدون قيود أو تسويات .
غير ان الواقع عنيد، والطموحات تواجه ثقل اليومي وإكراهات التقسيم التقليدي للأدوار، وصعوبة تغيير الذهنيات في عالم يمشي بسرعتين : سرعة التشريعات والقوانين، وبطء في كل ما هو مرتبط بالعقليات والتقاليد والثقافة عموما.
يتزامن مارس إذن مع شهر رمضان المليئ بالروحانيات، كشهر يمنحنا فرصة التركيز على ما هو أساسي، ومساءلة علاقتنا مع الآخرين، اختبار قدرتنا على بناء المجموعة، وإعادة التفكير في علاقتنا بالعدالة الاجتماعية، وفي الفئات الأكثر هشاشة والتي تشكل النساء نسبة كبيرة منها .
رمضان، هذا الشهر المبارك هو لحظة مكثفة تجسد التضامن بكل معانيه، تضامن لا يقتصر على المعاناة الظاهرة بل يشمل أيضا الأعباء غير المرئية، خاصة تلك التي تتحملها النساء سواء تعلق الأمر بالمجال الخاص أو الفضاء العام.
فلنجعل من هذا الشهر لحظة يقظة مزدوجة: يقظة الجسد الذي يتخفف، ويقظة الأفق الذي يتسع.