البغدادية والرداد حب أسطوري على ضفاف أم الربيع

الحب غرائبي في أساطير ثقافتنا الشفاهية. والدهشة فيه تبعده عن منطق الواقع وتعليه حتى يصير خرافيا. من عائشة البغدادية، بوشعيب الرداد، أونامير، أونزار، إيسلي وتيسليت، ميمونة.. حب يسكن الحكاية منذ قرون خلت، وتتناقله الأجيال والمجتمعات بتفاصيل تنشط الخيال وتحرره. في أسطورة عائشة البغدادية وبوشعيب السارية ما يدعو لرحلة بين ضريحين تلفهما قصص الناس، تفصلهما على مقاس ما يسطيعه خيالهم، و تستهويه خلفياتهم. أين؟ وكيف؟ ولماذا؟ يجيب روبرتاج أسطورة حب كربلائي وأزموري على ضفاف مصب أم ربيع.

الحب والموت

صباح يوم الإثنين 22 من يناير، بدت مدينة أزمور ميتة إلا من حكاية عشق أسطوري يدفي أسوارها التاريخية، ويبتعد بها عن رائحة قبري عائشة البغدادية بشتوكة وبوشعيب السارية بالمدينة العتيقة لأزمور، العاشقين ممدودين فوقها جثتين هامدتين إلا من حرارة ما خلفه حبهما في المدينة. عشق سرى ويسري في ذاكرة المكان منذ القرن السابع عشر، منعشا الحكي في عروقها إلى حد دخول تاريخ التراث الشفاهي المغربي. أساطير الحب لا تموت. يرويها الأمي والمتعلم، الصغير والكبير من الجنسيين كأنها مقدسة. كانت هذه أولى الاستنتاجات عندما انحرفنا اتجاه سهم الارشاد بدوار سيدي حميدة بلحاح البقالي التابع لمنطقة شتوكة : شاطئ لالة  عايشة البحرية. في هذا الطريق الوحيد بعد لوحة الإرشاد الطرقي، كانوا هناك  يفكون عزلة المكان عن وحشة تشبه غابة مهجورة. تبدو على حالتهم عازفين شعبيين في درجة الصفر من الكفاف. هم أربعة أشخاص لم يتأخرون في إشهار مواهبهم بالغناء وطلب إيصالهم إلى ضريح لالة  عايشة. سؤالهم عن الحب في حياة «مولات» الضريح يؤخر الجواب قليلا عنه لصالح تأكيد : إنها ولية صالحة. تقول امراة ثقيلة، تحمل دفا كغجرية تائهة تستعد للرقص. تمديدها في تأكيد أنها ولية صالحة جعلها تزيد: «حاجتك عندها مقضية». إشارة قوية إلى غلبة الولية على العاشقة في الترويج الأولي لها، وأن بركتها تأخذ بالثأر ضد من يعبث بحرمة المكان أو يدنسه أو يقلل من نيته. «أحدهم فعل وعوقب ب 24 عاما في قضية، وعندما خرج جاء يطلب الصفحة من عائشة. يقول واحدا من جمهور المكان. بدا لي أن سلطان البركة يسبق الحديث عن سلطان الحب عند السؤال عن  عايشة البغدادية العاشقة، غير أن ستيني، كان ينظف الطريق الذي تظلله الأشجار من الجنبين، أنقذ سؤال العشق من البقاء معلقا : عمري 61 عاما، منذ صغري وأنا أسمع عن حب بين لالة عايشة وبوشعيب. كان والدي يحكيه مموها بتأكيد وعد بالزواج بينهما. الحرج يحجب القول» ديريكت» في أحاديث ناس زمان لأولادهم. لكن كل «الحقيقة كانت عند با الفرجي الله يرحمو، هو كان يحرس ضريح عايشة ويقص علينا قصة عشقها لبوشعيب، وكيف تبعث قلبها من بغداد إلى أن بلغت مصب واد ام ربيع حيث ماتت قبل أن تسلمه للرداد». يقول الستيني وهو يلمح بحركة من عينيه إلى عدم تصديق ما تقوله الجوقة الموسيقية الشعبية عن حكاية الوليين.

قبلة الحكاية  

يبدو ضريح العاشقة من بعيد وحيدا كما لو كان يعكس قدره في سيرة حب غريبة. يطل على الوادي بطلاء الأضرحة المعروف. وحدهم من يلقبون أنفسهم «ولاد لالة  عايشة» يترنحون كديكة لحظة الذبح وينقدون المكان من خلوته. يتسارعون كلما رأوا غريبا ليقدموا خدماتهم البسيطة بادعاء بركة ممن ماتت من الحب. الموت من الحب في الأسطورة مأساة، والمتاجرة بقصته في الواقع أكبر المآسي. مكان الوصول :دوار سيدي حميدة، هنا لا أحد يتوجه نحوك ليحكي لك أسطورة الحب إن لم تسأل عنها. ما نبت من فطريات الخرافة والشعودة غطت على جماليات ما حملناه عن عشق شبيه بالعذري بين عاشق درس في بغداد علوم الدين، وعاشقة بغدادية تملكها نار الغرام تجاهه في بلدها. ناس المكان يعرفون قصة الممدوة في قبرها جنب صديقة عمرها فاطنة. وقد استلهموا من حكايا الحب عنها مهنا تيسر الحب بمعنى من المعاني. التبرك بأسطورة المحبين لجلب الحبيب يناسب الأجواء. وخلف الظاهر تخرج حكاية عشق تبدو فيها البغدادية امرأة بعجينة غير عجينة المجتمعات الأبيسية. يقول مرافقنا الباحث أحمد االوارث عن مجمل ما يحكى عن أسطورة عايشة البحرية وبوشعيب الرداد، أنه يمكن إجمال أسطورة العشق بينهما من خلال حكايتين من فن الحكي الشعبي المتداولة بين الناس:

«الأولى: أنها تعرفت على بوشعيب السارية شخصيا في بغداد، أثناء مراسم تشييع جنازة صوفي عراقي كبير. هناك، في بلاد العراق، أعجبت الفتاة بما ظهر على الفتى المغربي من سمات الصلاح، وتعلق قلبها به. لكن الارتباط لم يتم بينهما، لأن أهلها لم يوافقوا على رجل بلغ في سمرته مسحة السواد، فعاد إلى بلاده وحيدا، لكنه كان يحمل وعدا من أنثاه بألا تتزوج غيره، وعهدا على الوفاء. والثانية أن لالة عائشة، لمّا بلغها خبر الشيخ مولاي بوشعيب السارية، وسمعت بما هو عليه من الصلاح والورع والتقوى اتصلت به، وتوطدت بينهما أواصر المحبة والصداقة إلى حد أنهما كانا يلعبان الكرة معا، فتمر الكرات في الهواء مختفية من أزمور إلى بغداد، وتعود في الحين، ويقول لها هو: هاكِ آ عائشة في بغداد، فتجيبه هي بقولها: هاك آ بوشعيب في قرن الواد. وظل هذان الوليان يتراسلان بهذه الطريقة العجيبة. 

الموت من الحب ينعش الحكاية. بالعودة إلى الباحث نفسه قدم ما يفيد أن الحكاية الثانية تكمل الأولى، إذ تخبرنا أن المرأة وفّت بالوعد، ورحلت للقاء الرجل في بلده، حتى إذا لم يعد يفصلها عن مدينة أزمور التي يرابط فيها بوشعيب السارية سوى عرض النهر المسمى أم الربيع، فاضت روحها، ودفنت حيث ضريحها الآن.»

بنات لالة  عايشة ..حارسات معبد الأسطورة 

أمام قبر العاشقة نواحي أزمور، نساء صرن جزء من الحكاية. يحفظن سيرة عشق أسطوري باختلاف في روايته. ورواية أن بوشعيب كان يرمي بكرة من أزمور لتصل إلى عاشقته في بغداد، كما أخبرنا الباحث أحمد الوارث روتها لنا حليمة، واحدة من ناس لمكان حسب التسمية التي يقدمون بها أنفسهم للزائر. « كانوا يلعبون الكرة بينهما ما بين أزمور وبغداد ، هو يرميها وهي تأخذها محملة بالعشق». بدت حليمة متيقنة من هذه الجزئية التي لا تصدق إلا في الأساطير أو هلوسات مصاب في الدماغ. إذ الشخصية الأسطورية يمكن أن تلحق بعاشقها من عالم آخر بجناح عادة لا يكون للإنس كما في أسطورة عشق أونامير بالجنوب المغربي.

العشق كان سببها في قطع مسافة بين بلد في أقصى الشرق، وبلد محدد جغرافيا في الشمال الإفريقي لتصل إلى عاشقها. الوعد دين على العاشق وليس على الحر فحسب. والمسافة في أسطورة الحب تحسب برمشة العين لا بالساعات. تقطع بطاقة داخلية من العاشقين لا بوسائل النقل المنتمية للواقع. لكن كيف تعرفت عائشة على بوشعيب؟ وكيف وصلت إليه حسب أسطورة حبهما؟

عائشة البحرية بين كفتي الحب والعلم 

لا يتطلب الحكي عن أسطورة ما، استحضار المنطق لأنك في حضرة الغارئبي لا مجرد الخيال. خلاصة استخلصتها أمام قبر العاشقة البغدادية بالحديث إلى محمد الهبولي. رجل متقدم في السن، يتكأ على عصاه لأن في الجسد إعاقة النظر. يشغل مقدما لضريح عايشة البحرية منذ 32 سنة، قال أنه اشتغل في الصحافة في السبعينات من القرن الماضي بجريدة عريقة بشارع علال بن عبدالله بالرباط. يحكي الحكاية بمنطق من يتبع الكتب لا الرواية الشفاهية فقط،» عندما جئت إلى هنا كان لا بد أن أعرف تاريخ المكان الذي سأشتغل فيه، وأعرف « عايشة «التي لا تحضر إلا مقرونة ب»بوشعيب» وحب لم تقهره المسافات. توجهت إلى المكتبة الصبيحية بسلا، أخذت زادي من سيرة حب تحضر في الأسطورة الشفاهية بروايات متعددة. وما أستحضره، هو أن لالة  عايشة كانت مخطوبة لأمير عراقي، ساءت علاقتها به عندما تعرفت على مولاي بوشعيب ومولاي عبد السلام في مسجد ببغداد، «هزات راسها وجات من كربلاء حتى بلغت أزمور التي صار لها فيها ضريحا بعد أن ماتت». 

لا يحضر حب عائشة للرداد في شهادة الهبولي إلا مقرونا بالعلم: «أحبت علمه، وقد جمعت بينهما الفتاوي العلمية لا الحب بمعناه العاطفي». يقول الرجل الذي اعتبر أسطورة الحب بين من ذكرتهما كتب التاريخ، وحفظتهما ألسن الحكائين مجرد صناعة غزلتها الخرافة هنا بضريح عائشة البحرية. رأي عارضته واحدة من ناس المكان : «منذ ولدنا ونحن نسمع عن حبهما، وأنها قطعت البحور حتى ماتت فنهر أم ربيع قبل ما توصل للرداد، وهو عاهد نفسوا ما يتزوج ولا يشارك قلبو مع واحدة من غيرها». تقول سيدة بنبرة الواثقة من تفاصيل الحب القاتل بين عاشقة وعاشق مرت على وجودهما أربعة قرون. 

لسان حال بعض الناس جنب ضريح عائشة البغدادية يعجن القصة ببهارات العلم والدراسة قبل العشق، توليفة تعطي شرعية التقرب منها وطلب البركات كولية صالحة وعالمة قبل العاشقة الولهانة. وتقديم الاولى عن الثانية يتمسك بها من يبعدون الصالحين و الأولياء عن الضعف العاطفي.الإحساس مدان كلما خرجت فيه المرأة عن طوع المرغوب فيها، وتبعت أهوال القلب خلف عشيق. المجتمع المحافظ يتحفظ عن هذه الجرأة. وعائشة ضربت بالمجتمع المحافظ الكربلائي عرض الحائط وهي تطوي المسافات لتفي بوعد الزواج من بوشعيب. يقول الباحث المغربي أحمد الوارث : الناس تقدم أن عائشة تبعت الرداد بسبب علمه على عشقه، لأنهم لا يقبلون بجري المرأة خلف الرجل. وفي كل الحالات عائشة تمثل الجانب القوي في النساء، وتتكلم أسطورتها بلسانهن في تدبير أمور المشاعر وإعلانها كانت للأمير أو للراعي، وبمعنى آخر أسطورة عائشة ترد المجتمع الأمومي وتفرضه في حكاية العشق، وحتى النساء اللئي يتقربن من ضريحها، ويتوسلن بالخرافة هن يرغبن في التماهي مع شخصيتها القوية في الوصول إلى الحب.» يقول الوارث في المكان ذاته التي تعلق فيه الزائرات أسماء عشاقهن في أسوار الضريح مكتوبة بالحناء. أمل، ماهر، عزيز، أسماء، رضوى، فاطمة، عيسى.. الرجال كما النساء يتبركون بأسطورة الحب من أجل الحب.

على بساط الحب و «الريحية»

تبدأ الغرائبية في قصة حب البغدادية للرداد في رحلتها الشاقة من بغداد أوكربلاء إلى أزمور حيث يوجد بوشعيب. الحب يصنع المعجزات، والحب يصنع الأساطير أيضا. وأزمور يكاد يتنفس ناسها هواء الحب وهم يحكون عن رموزهم في العشق والغرام. «جيتك من أرض السر والزعامة مدينة الصالحين، ابا شعيبا نجم الأوليا». الكلام للبغدادية موجها للرداد، تقوله حليمة الواقفة على رأس قبر عائشة، وقد ألقت باللازمة وهي تصف قنن ماء الورد على قبر تتناسل منه حكايات عن حب مات ودفن في عرض نهر أم الربيع. وقبل ذلك لم تباركه عائلة البغدادية حين تقدم بوشعيب للزواج منها وهو في مهمة علمية في العراق. الأخير عاد إلى مغربه، والثانية قدمت وعد اللحاق به. وهذا الحب الذي قطعت العاشقة لأجله المسافات بين دولتين، لم يكن ينتمي إلى زمن المواصلات السريعة، حيث الحجز في رحلة تقطع فيها الحدود غير موجود، معطى يجعلنا دائما في قلب الأسطورة وتفاصيلها الغرائبية: عايشة جاءت على الأقدام، أو عايشة قطعت البحور، وعايشة ركبت الدابة التي خانها الموت فواصلت العاشقة رحلتها راجلة من كربلاء لأزمور!. 

«قصة عطفة ودموع حنان»

يبدو أن أسطورة الحب ألهمت الأدب كما فعلت بالبحث والتراث الشفاهيين. هذا يعكس مدى تأثير حكاية عايشة وبوشعيب على ذاكرة وإبداع من سمعها. فاطمة بلعروبي واحدة ممن ألهمتهم هذه الأسطورة زجلا بعد أن نظرت إليها بمنظار الباحث السوسيولوجي. « كنا نسمعها، لكن كانت طابو، لذلك لا يتحدث عليها الوالد الذي يحكي لنا حكايات في جلسات المساء. خارج دائرة الأب عرفنا الأسطورة من الموروث الشفاهي العام» تقول فاطمة التي خلدت لعشق الرداد وعائشة بديوان: «عناد الكمرة وبياض الليل». أجمل ما ورد في الديوان هو االتقابلات بين العاشقين بكلام زجلي يعيد القصة بتفاصيل من خيال المبدعة، حيث العاشقة تحضر بضمير المتكلم متحدثة إلى العاشق الذي يرد بدوره بزجل تقول فيه الشاعرة:  

كانت عايشة ميرة 

وكان بوشعيب بالعطفة سلطان

كانت عايشة قصة وكان بوشعيب حديث 

هي حكاية، سمعناها وسمعاتها الألوف 

حكاية ربطة زغبية، حكاية عطفة معمية، جلات محضار وكواتو ميات كية. 

حكاية بوشعيب وعايشة بحرية

واخا التاريخ ما زممها ف سطورو 

لكن لفوام تعاود ومازال تعاود

على قصة عطفة دافية ودموع حنان..

فاطمة بلعروبي

تقول فاطمة بلعروبي التي تماهت مع أسطورة العشق بين عايشة والبغدادي وهي تقرأ لنا من ديوانها، في هذا الأخير ينفلت الزمن الماضي من خلال التفاصيل ليصبح كحاضر. ولتزيد مرافقتنا في الروبرتاج، من التأكيد على أن الأسطورة طوع الخيال، يزيد فيها، ينقص، يغير انتماءها وجنسيتها، يطوعها حتى لخلفيات من يحكيها أو يكتبها. لكن الجميل أن عين الباحثة وجهت قلب الشاعرة وهي تتأمل كيف لبست قصة الحب ثوب الخرافة، وصارت النساء يطلبن من عائشة العاشقة بركتها لإيجاد حبيب، تماما كما يطلب الرجال إيجاد حبيبة في ممارسة لا تعبر إلا عن الحب. 

قد يبدو من غير اللائق خلخلة الحب الأسطوري في ضريح لالة عائشة، دون تفقد ما يدور بضريح عاشقها بوشعيب الرداد. بين المكانين مسافة تبعث على استرجاع التفاصيل الطويلة في الأسطورة عن دفن عائشة في نفس مكان موتها بسيدي حميدة بلحاح البقالي التابع لمنطقة شتوكة، وهو نفس المكان الذي كانت تمشي منه إلى الرداد بالريحية، والريحية هي سجادة الصلاة التي كانت تستعملها مركبا في نهر أبي رقرار لتصل إلى بوشعيب بأزمور. في ضريح الأخير صمت عن قصة العشق من قبل من يصيفون أنفسهم بأحفاد الولي الصالح الذي لم يتزوج بعد وفاة عائشة وفاء لحبها. لذلك وقفنا عند حكاية الحب في منطقة شتوكة حيث عائشة البحرية. وتركنا شك شرفاء بضريح مولاي بوشعيب يحصنو نه من « تهمة» الحب ،لأن الحب مدان و مدنس عند البعض.

الباحث والدكتور أحمد الوارث

 تحولت رحلة لالة عايشة البغدادية إلى حكاية حب أزلي.. 

لم تتوقف الأجيال المتعاقبة عن سرد الحكاية للخلف، فلم تزدها الأيام إلا حضورا في المجالس الشعبية، على الرغم مما قيل عن افتقارها لأي سند تاريخي. ووجدت فيها العاشقات والباحثات عن حضن دافئ، بالخصوص، بلسما يخفف عنهن حرارة اللوعة، ودأبن على زيارة مرقد البطلة، والطواف بكعبتها عسى أن يتحقق المراد كما تحقق لها بلقاء أبي شعيب.

بداية الطواف في هذا المقام غير موثقة، لكن الأكيد أن الخلف قلد السلف، وأن نساء شعاب مصب أم الربيع دأبن على فعل ذلك قبل مثيلاتهن من البلاد البعيدة، وكانت المناسبة هي اليوم السابع من الأعياد الكبرى، على غرار ما جرت به العادة في أضرحة أخرى بأماكن مختلفة من المغرب؛ هن إناث يستصرخن بركة لالة عايشة علّ الأمل المنشود يتحقّق، بعضهن متزوجات يعانين من العقم. لكن أكثرهن عازبات يمنين النفس بأن يجدن في تربتها : حسن الطالع، دليلهن في سلوكهن رحلة صاحبة القبر، الشاقة والطويلة، للّقاء بالمعشوق بصرف النظر عن تفاصيل هذا العشق أو طبيعته، إلى حد الاعتقاد أن الله وهبها بركة الجمع بين الأحبة. 

جراء ذلك، اكتسب المقام شهرة واسعة، وصار مقصودا في كل يوم، لاسيما مع حلول العاشر من شهر محرم، الذي يوافق الاحتفال بمناسبة عاشوراء، التي أضحت عيدا لا يماثله عيد في هذا الضريح. كما اكتست الزيارة، مع مرور الوقت، آدابا وطقوسا لازمة لكي يتحقق ذلك المراد.

هكذا، يتحتم على الزائرة أن تتجاوز العتبة بقدمين حافيتين، وترديد جمل مختارة من قاموس آداب الزيارة، من قبيل: باسم الله، باسم الله، باسم الله، الله ينفعنا بالزيارة، على أن تقدم بعضا من فتوح الدنيا للمشرفة على الضريح، نقودا كانت أم شمعا أم سكرا أم تمرا أم قارورة من ماء الزهر، قبل التمسح بالقبر والدعاء طلبا لقضاء الحاجة حتى يحظى طلبها بالقبول. بعدئذ تنضم إلى الزائرات المتحلقات حول إناء به خليط من الحناء. قد تغْرِف السيدة المكلفة به قليلا من الخليط فتلطخه في كفي الزائرة الجديدة، وربما تكون كريمة معها، بحسب ما قدمت يدها من فتوح، فتضع قليلا من الحناء في خصلة من شعر رأسها. كما تمدها بقدر آخر؛ فتكتب به اسمها وقبالته اسم فارس أحلامها على الحائط في الضريح، من باب الاعتقاد أن القيام بهذا الطقس، في هذا المقام بالذات، يجلب الحظ الحسن ببركة لالة عايشة أميرة العشق دون منازع، أملا في أن يتحقق اللقاء بينها وبين صاحب الاسم، كما حدث بين صاحبة المقام وأبي شعيب السارية. جراء ذلك صارت الحيطان أشبه ما تكون بلوحة تشكيلية مدادها أسماء رجالية وأخرى نسائية متعانقة إلى حد الاختلاط، لكل اسم مقابله، ولو تشابهت.

بمجرد خروجها من الضريح يضع بين يدي الزائرة، شاب يحرص على أن يكون حافي القدمين، منديلا أبيض اللون، مغريا إياها على أن تلطخه بالحناء، مثيرا انتباهها إلى أنه سيعلق المنديل بما حواه فوق قبة الضريح جوار منديل لالة عايشة الأخضر، «علّ الله يرفع علمها»، فتحظى بلقاء الحبيب». 

بذلك، تحولت رحلة لالة  عايشة البغدادية إلى المغرب إلى حكاية حب أزلي متعدد القصص، وصار قبرها ملاذا للباحثات عن الحب ولو في الأحلام.

إلى جانب هذا السر الذي استوحته واستلهمته زائرات الضريح، والذي لم تكن البطلة نفسها تتوقعه، صارت للحكاية نفسها امتدادات أخرى، بحكم أنها صارت ملهمة للأدباء المشتغلين في حقل الإبداع؛ أولئك الذين اتخذوا من فضاء وادي أم الربيع، حيث يقع ضريحا أبي شعيب ولالة عايشة؛ الأول في أزمور على الضفة اليسرى غير بعيد عن المصب والثاني على الضفة اليمنى، مسرحا لأعمالهم التخيلية. لعل أشهرهم المؤرخ عبد الله العروي الذي استغل بعضا من ملامح الحكاية في روايته:(الغربة واليتيم)، فاستحضر بطلي الحكاية في هذه الجمل المعبرة، وإن كان قد قلب الآية في الحكاية، وتخيل أن الرجل هو الذي جاء باحثا عن المرأة، انسجاما مع العادة المرعية، كما في قوله: «إن أبا شعيب جاء من مراكش على ظهر سبع طيّع يتبع عائشة بولائه ومحبته.. 

مؤمنة بالجمع بين الاهتمامات مؤسساتية كانت أونقابية أو جمعوية حد الاعتقاد أنها كل لا يتجزأ. هي رئيسة لجنة الجهوية والتنمية القروية بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ونائبة رئيس لجنة الميزانية بجهة مجلس طنجة تطوان الحسيمة، ومؤسسة جمعية وفاق للتضامن والمساواة وتكافؤ الفرص.
كشف تقرير حديث بشأن ثقة المغاربة في مصادر الأخبار على شبكات التواصل الاجتماعي، فإن 51.4 % يثقون أكثر في الصحافيين المهنيين.
واصلت العداءة المغربية عزيزة العمراني أداءها الجيد بإنهاء المرحلة الثالثة في الصدارة بزمن 10 س و46 د و10 ث، لتعزز بذلك موقعها في صدارة الترتيب العام المؤقت بتوقيت 17 س و40 د و16 ث.