هْنّو…

أكملت مساري الأولي في التعليم وسط الأولاد وأنا مطمئنة على انفلاتي من قذري الاجتماعي...

اسمي هْنّو، كنت أظن أنهم أخطأوا في تسميتي باسم يليق بالذكور لا الإناث، فكل ما لا ينتهي بتاء التأنيث من الأسماء يحيل في اعتقادي على جنس غير جنسي. كان هذا من شغب تفكير طفولة عشتها فوق صفيح حاد من التقاليد والممنوعات، كلمة «آراحْ» كانت تجمل كل معاني المنع حسب لغتي الأمازيغية الأم. حتى اسمي وجدته جزء من موروثات القبيلة وتقاليدها الموغلة في التقديس غير المبرر. يكفي أن تصدقهم لتعيش بأمان. وإن حدث وثارت ثائرتك على قوانينهم، يجلدونك بألسنتهم حتى يستقيم انحرافك عنهم أو تغادر عشهم. لذلك كان تمردي لا يتجاوز التأمل والتخيل. لا أحد كان يعرف من محيطي أني أضيف لاسمي تاء التأنيث وأقلب الواو ياء لأصير هْنِيَّة. كنت أجد في الأخيرة  هويتي الجنسية المفتقدة في هْنُّو، وأشعر بإنصافها لأنوثتي لقربها من اسم هناء. إيقاع هنو كان هو نفس إيقاع حمو وحدو ورحو وعسو.. وكلها أسماء رجال. 

لم أتطبع مع اسم هنو إلا عندما كبرت رومنسيتي، وتلقحت من هوس الموضة، واستسلمت لميول المراهقين إلى الاختلاف. التمرد على الإسم في الخيال ساعدني في التمرد على قدري الاجتماعي فيما بعد، قدر رسمه العرف : المدرسة للأولاد والبيت للبنات. البيت قد يكون بيت العائلة أو بيت الزوج.  وما بين البيتين لا شيء يتغير غير مكان النوم، سرير هو في الغالب لحاف من مادة «الحلفة». مادة تحدث صوتا شبيها بفحيح الأفاعي. كل من ساقها القدر إلى بيت الزوجية، وهي طفلة، تفاجئ بأن عليها أن تشارك رجلا قد يكون في سن والدها السرير «الأفعى».. كان خيالي يسبقني إلى أقدارنا البئيسة كلما خرجت من « تامزكَيدة» وهو الاسم الأمازيغي الذي نطلقه على المسجد. هناك كنا نحفظ القرآن كما لو كان المرور من المسجد هو بداية التعليم الأولي قبل الالتحاق بالمدرسة. قلت المدرسة؟ عجيب. كانت حلما لبنات جيلي، هؤلاء تمسك العائلة بل والمجتمع بمصائرهن التي لا يوجد التعليم بينها. دخول تامزكيدة هو لمحو أميتهن في التعبد والصلاة فقط، لذلك يتوقف تعليمهن  عند مستوى مسجد الدوار لي. 

في المسجد كنا نحفظ القرآن مع الأولاد بتمييز في صفوف الجلوس أمام الفقيه وفي الجهة أيضا، نحن في الصف الثاني أو يسار فقيهنا عكسهم الذكور، اليمين له امتياز وتميز في ثقافتنا، وتقدم البنات عن الأولاد مستحيل تماما كما في الصلاة. ومن تبعات ذلك أن  يلتحق هؤلاء بالتعليم الابتدائي ونعود نحن للبيت. ياااااه، كم كان هذا التقسيم مؤلما وأنا في الثامنة من عمري. أحسست بكل المشاعر المضطربة التي يشعر بها محكوم بالإعدام قبل تنفيذ الحكم عليه. لم يرقني أن والدي، المحسوب على أعيان القبيلة بمنطقة «موكرينات»، أعد كل ما يلزم  كي يجعل لأخي، الأصغر مني، مكانا بين المتعلمين. كنت أرى في ذلك  تأكيدا وإصرارا على أفضليته التي تطغى على كل شيء في حياة العائلة. الحضو بمكان بين المتعلمين والانتساب إليهم تأشير على امتياز ربما لم يكن يفهم في وقته بهذا البعد. الوضع أرق تفكيري، بعثر تفاصيل في مشاعري الطفولية، حرضني على السؤال عن من قام بتجزي  الحقوق على مقاس الجنس؟ ومن كتم صوت العدل في مجال إناثه أكثر ظهورا في الأمكنة المرتبطة بأداء مهمة: السقي الرعي الحرث الحصاد الأسواق.. ولا يظهر أشقائهم إلا لتزويجهن أو حمل نعوشهن بعد الوفاة، مهمة تأتي بعد دورهم الاجتماعي في حفر القبور التي لا يعرفه غيرهم. وعي مبكر عرفت فيما بعد أنهم يسمونه: الوعي الشقي. وكل ما كنت أعرفه حينها أنه وعي حررني من العودة إلى البيت بعد حفظ القرآن في تامزكيدة.  أبعدني عن الإنضمام  للقدر الاجتماعي الذي لا ينفك عن محو حس وجودنا بمنشفة التقاليد ووصايا الأوائل، ولا اختلاف بين عيشة وفاظمة ويزة وتاشاويت.. كلنا على نفس الأهمية التي يعززها الرحم القادر على إكثار نسل العائلة. 

في صباحات إحدى أيام أكتوبر الذي تزامن مع بداية موسم الصيد، كان والدي يعد بندقية صيده للتوجه إلى غابة حرشة، هوايته الأبدية لم تنسيه أن أخي قد بلغ سن التمدرس في نفس موسم اصطياد الطرائد. سجله في القسم الوحيد بمنطقتنا، أحضر له مرافقا كأنه باشا القرية، كان المرافق  يتولى قيادة الحصان ويضع شقيقي الأصغر خلفه للالتحاق بدروس تعليمه الأولي. القسم بعيد بمسافة كلوترين عن البيت وعبر مسالك مرتفعة لم نكن نأبه لها، نحن البنات، عند سقي الماء. هذا الموقف لم يمر بردا وسلاما على نفسيتي المصابة بأكثر الصور تمييزا وتحصينا للصور النمطية التي خيطت على مقاس جنسنا. في اليوم الثالث من بداية ذهاب أخي إلى مدرسته، أمسكت بذيل الحصان، تبعتهما من الخلف كأني ألعب، دخلت القسم الذي لم يكن فيه إلا الذكور، نسيت أني أنثى برغبة في أن أسبح ضد التيار، جلست في كرسي الطاولة جنب أخي وأنا مصممة على أن أعرف الألف باء والمختلف عما كان يلقنه لنا الفقيه السي المختار. إصراري وجد قبولا من والدي الذي لم  يمانع أن أكمل السنة كمستمعة فقط، الحل تطلب منه تدخلا لدى الجهات المعنية. في السنة التالية تم تسجيلي بتوصية عن ذكائي واجتهادي وجديتي. أكملت مساري الأولي في التعليم وسط الأولاد وأنا مطمئنة على خروجي من شرنقة وصايا الأوائل. تابعت دراستي الإعدادية بدخول داخلية أقرب قرية إلى الدوار. في كل سنة كان يكبر التحدي وتنضج الأحلام. لم يتوقف عنادي وأنا أصر على أن أجد منفذا للحصول على الباكالوريا. في القرية كان التعليم يتوقف بنا عند البروفي. وضع فرض التفكير فيما لا يجهض حلم شابة لا تفارقها ظفيرة تتوسط رأسها كثروة. لاحت فاس من بعيد كما لو كانت باريز، كانت الوجهة الوحيد التي بها داخلية للبنات تابعة لمدرسة القرويين. التحقت بالعاصمة العلمية بنفس ملامح البدوية القادمة من جبال تقسم ظهر بناتها من فرط المواليد، وتضعهن رهن إشارة أزواج يلقنهن ثقافة الاستجابة لكل شيء. حصلت عل الباكالوريا. سافرت إلى باريز لدارسة الطب. تخرجت بتخصص في أمراض النساء والتوليد. كان التخصص اختيارا من امرأة تعرف مأساة الولادة في الجبال. وإصرارا من الطفلة العنيدة التي بقيت تسكنني. لقبوني بأول طبيبة نساء أمازيغية. اللقب يعني الكثير لامرأة تتقن فن الإصغاء لدواخلها، وتتفنن في أخضاع عقلية القبيلة لواحدة من مهارات شهرزاد: الإصرار.

تجسد هذه الحملة، التي أطلقها المرصد الوطني لحقوق الطفل تحت شعار “لنعمل معا”، بإشراف من صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم، عزم المغرب على حماية أطفاله من التنمر المدرسي، الآفة العالمية التي تتطلب التزام الجميع.
يعد المسرح الملكي الرباط بتجربة ثقافية غامرة من خلال برمجة غنية تشمل احتضان أحداث ثقافية وطنية ودولية، بما يسهم في إثراء المشهد الثقافي للرباط والمغرب بأكمله.
منذ انطلاقته، دأب المهرجان الدولي للفيلم بمراكش على تكريم الأسماء اللامعة في عالم السينما، مما يعكس التزامه بتعزيز الثقافة السينمائية على الصعيدين الوطني والدولي.