في البداية كانت قد سمعت عن ورشة للكتابة التي كانت تمارسها بشغف والتزام. حملت نصوصها وعشقا للحكي بلازمته: «كان يا مكان» وانطلقت. العبارة تشبه الاستعداد لدخول دهليز مغري ومحرض على التقدم فيه. من هذا الإغراء صارت حكاءة لا تتنازل عن: كان يا مكان، حتى كان لحبق والسوسان، حتى كان لْعمى يخيط لْكتّان، حتى كان ازْحّاف يْنَقز لْحيطان، وحتى كان طْرْشْ يجيب لكلام من مكان لمكان».
كانت حليمة تعيش في باريس عندما التقت بالحكواتي الفرنسي أندريه غوغو المتوفي منذ أسبوع. حدث اللقاء في ورشة للكتابة حسب الاعلان . عندما التحقت وجدت ورشة للحكي أيضا فتحركت ذاكرتها إلى عالم المحكيات، اختارت الأخيرة التي كانت على ثلاث دورات.
في بيت عائلة حليمة كان هناك حكواتيين تعلمت منهم المدخل الشيق للحكي: كان يا مكان، حتى كان العمى يخيط لكتان .. تسائلت: كيف يمكن للأعمى أن يخيط ثوبا؟ إنها الحكاية التي تحول المستحيل ممكنا، وتلعب بالمنطق لدرجة تصديق الغرائبي. كانت تحفظ حكاية جحى وعنترة وهاينة برواية الاب والجدة. حين مشاركتها في ورشات أندريه غوغو، انتبه الأخير أنها كما تحضر تغادر، طلب منها أن تحكي، بدأت بلازمة كان يا مكان في قديم الزمان، حدث انجذابه لها. « تعلمت الحكي المحترف والمهني في فرنسا، هناك، النساء هن من يسيطرن على المجال أكثر من الرجال عكس الوضع عندنا. «هم يحكون حكايات عنترة والسيرالنبوية بما فيهما من شجاعة ومروءة.. وهن يخلصننا من الواقع بحكايات عن هاينة وحديدان» تقول حليمة التي، التزمت ب: كان يامكان كان كما أوصاها غوغو ولو حكت بالعربية.
تميزت حليمة بالاشتغال على الحكايات القديمة.»كان لا بد من تغيير مصير المرأة في الحكايات القديمة لتناسب عصرها المختلف ولإبعادها عن نمطيتها كما بنتها خلفية الحكواتيين القدامى». وتعترف بالمستجد وهو المكانة المهمة مؤسساتيا للحكاية في ثقافتنا، بينما دورها في ذاكرة وأنشطة الناس محصن وموجود منذ القدم. حكت حمدان عبر العالم، التقت حكائين من ثقافات ولغات عالمية، بحثت في التراث عن ما يبعدها عن التكرار، فتحت أذنها على تجارب واستلهمت من القصص ما يعطيها ثراء، شاركت أكبر وأشهر الحكائين الحلقة والساحات والقاعات لرواية ما يغني فكر وخيال الجمهور. تجارب حفرت المقارنة ببن الهنا والهناك لكن: «لن أنسى يوم حكيت في ساحة الكتبية بمراكش بعد كوفيد، تجربة أنتظر تكرارها.» تقول الحكواتية والروائية والقصاصة حليمة حمدان.